193

فأطلقوا " العالم " على من لا يحيط من علوم الدين بشيء سوى رسوم جدلية ومسائل خلافية، فيعد من فحول العلماء، مع جهله بحقائق التفسير وغيرها، وصار ذلك فتنة عظيمة في الدين، مهلكا لخلق عظيم من الطلبة والمستعدين.

ومن أسمائه: التوحيد، وهو في اصطلاح الصوفية إسم لحقيقة الإيمان، وفي المشهور وعند الجمهور عبارة عن صنعة الكلام، ومعرفة المجادلة، والإحاطة بمناقضات الخصوم، والقدرة على تكثير الأسئلة وتقرير الإلزامات، وايراد الشبهات، وتأليف المناقضات والمدافعات.

ومن هذا المعنى لقبت طائفة من المتكلمين: أصحاب العدل والتوحيد: وسمي المتكلمون: العلماء بالتوحيد، ولعبت بهم الشكوك، وطعن كل لاحق منهم لسابقه مع انه أيضا لم يأت بشيء يزيد به على السابق.

على أن جميع ما هو خاصية هذه الصناعة، لم يكن يعرف شيء منها في العصر الأول. بل كان يشتد النكير من السلف على من يفتح أبواب الجدل والمماراة، كما يستفاد من أحاديث أئمتنا سلام الله عليهم أجمعين، حيث وقع منهم المنع من علم الكلام وصنعة المناظرة، إلا على سبيل الضرورة عند مكافحة المتبدعين.

وأما ما يشتمل عليه القرآن من الأدلة الظاهرة التي تسبق الأذهان الى قبولها في أول السماع، فلقد كان ذلك معلوما للكل، وكان علم التوحيد عندهم عبارة عن أمر آخر يستفاد من القرآن بنحو آخر لا يفهمه أكثر المتكلمين.

وهذا مقام شريف إحدى ثمراته هي أن يرى الأمور كلها من الله رؤية يقطع التفاته عن الأسباب والوسائط، ويترتب عليه التوكل والرضا والتسليم لحكم الله وترك شكاية الخلق وترك الغضب عليهم.

ومن أسمائه: العقل المستفاد، وهذا اصطلاح الفلاسفة الموحدين، والحكماء الإلهيين دون الطبيعيين والرياضيين والأطباء والمنجمين، فإنهم بمعزل عن هذا المقام ومعرفته.

واسم العقل، من الأسماء المشتركة التي تطلق على معان أخرى، إلا ان الذي استعملته الحكماء في علم النفس، ويعد من أسامي مراتب النفس في استكمالاتها من حد القوة الاولى الى حد الكمال الأخيرة، هو العقل بالمعنى المرادف فيه معه لفظ " الإيمان " في عرف شريعتنا، وذلك حيث ذكروا ان للنفس درجات في القوة والكمال:

إحداها: درجة استعدادها الأول عند خلوها عن العلوم كلها، كما للطفل بالنسبة الى الكتابة، وهي المسمى بالعقل الهيولاني، تشبيها لها بالهيولى الأولى، الخالية عن الصور كلها بحسب ذاتها.

والثانية: درجة استعدادها الثاني من جهة اطلاعها على البديهيات، واوائل العقليات، فيتهيأ لإدراك الثواني إما بالفكر، أو الحدس، ويسمى عندهم بالعقل بالملكة.

अज्ञात पृष्ठ