[الهداية وكون القرآن هدى]
واعلم أن أفاعيل المبادي الذاتية والعوالي الفعالة، وإن كانت من قبلها عامة تامة لازمة الآثار والنتائج ليست فيها شائبة قوة ونقص وفتور، إلا أنها قد يتخلف عنها الأثر والنتيجة لا لقصور من جانب الفاعل وعدم تمامية وكمالية، بل لضعف القابل، أو لسوء استعداده، أو انحرافه عن جهة القبول.
ومنها الهداية، كإنزال القرآن ونحوه من الله والقرآن عين الهدى، بمعنى الحاصل بالمصدر كما مر، والله هو الهادي للعباد كلهم دائما بالذات، لأن شأنه الرحمة والجود، ودأبه إفاضة الخير والوجود على الجميع من غير فتور من قبله، إلا ان القوابل متفاوتة،
يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا
[البقرة:26].
إذ المراد من الهداية أو الهدى، ليس مجرد المعنى الإضافي العقلي الذي تحققه فرع تحقق الطرفين، بل المراد ما به يقع الاهتداء كالقرآن والنبي (صلى الله عليه وآله)، وكذا الكلام في نظائره كالنور والعلم والقدرة وأشباهها.
فالهداية بهذا المعنى ذاتية للقرآن، والإضلال عارض، وهذا كالشمس شأنها التنوير والإضاءة، ومع هذا قد يحصل من إضاءتها وتنويرها في بعض المواد ضد ذلك كالظلمة والسواد.
فمن قال: " إن الهدى معناه الدلالة الموصلة إلى البغية " أراد به فعل ما يوجب الوصول إلى المطلوب لمن هو أهله ومستحقه، ومن تعلقت المشية الإلهية بحصول السعادة الأخروية له، فقوله تعالى مخطابا لبينه (صلى الله عليه وآله):
إنك لا تهدي من أحببت
[القصص:56] بمنزلة قوله تعالى:
अज्ञात पृष्ठ