[المنافقون: 8] { وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله } الآية نزلت في المنافقين كانوا يجلسون إلى أحبار اليهود فيسخرون من القرآن ويحرفونه عن مواضعه والمنزل عليهم في الكتاب هو ما أنزل عليهم بمكة من قوله:
وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره
[الأنعام: 68]، قال جار الله: وذلك أن المشركين كانوا يخوضون في ذكر القرآن في مجالسهم ويستهزئون به فنهي المسلمون عن القعود معهم ما داموا خائضين فيه فكان أحبار اليهود يفعلون نحو فعل المشركين فنهوا أن يقعدوا معهم { الذين يتربصون بكم } أي ينتظرون بكم ما يحدد لكم من ظفر أو غيره { فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم } مظاهرين فأسهموا لنا من الغنيمة { وإن كان للكافرين نصيب } يعني حظ ودولة وظهور على المسلمين قالوا: يعني المنافقين الذين يقولون للكافرين: { ألم نستحوذ عليكم } ، قيل: ألم نستولي عليكم بالنصرة والمعونة ولكن من جهة من أرسلنا إليك بأخبار عدوك، وقيل: ألم نطلعكم على أسرار محمد وأصحابه { فالله يحكم بينكم يوم القيامة } يعني بين المؤمنين والمنافقين { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } حجة قيل: في الآخرة، وقيل: في الدنيا في قتالهم وأخذ أموالهم.
[4.142-149]
{ إن المنافقين يخادعون الله } يفعلون ما يفعل المخادع من إظهار الإيمان وإبطان الكفر وهو خادعهم وهو فاعل بهم ما يفعل المغالب في الخداع { وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى } كما ترى من يفعل شيئا على كره { يراؤون الناس } يقصدون بصلاتهم الرياء والسمعة { ولا يذكرون الله إلا قليلا } ولا يصلون إلا قليلا لأنهم لا يصلون قط غائبين عن عيون الناس إلا ما يجاهرون به قليل أيضا ولا يذكرون الله بالتسبيح والتهليل إلا قليلا وهكذا ترى كثيرا من المتظاهرين بالإسلام { مذبذبين } إما حال نحو قولك: ولا يذكرون، يراؤون أي ترونهم غير ذاكرين مذبذبين أو منصوب على الذم، ومعنى مذبذبين ذبذبهم الشيطان والهوى بين الإيمان والكفر فهم يترددون بينهما متحيرون لا من الكفار ولا من المسلمين { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار } الطبق الذي في قعر جهنم والنار سبع دركات، وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
" ثلاث من كن فيه فهو منافق وإن صام وصلى: من إذا حدث كذب، وإذا وعد خلف، وإذا أؤتمن خان "
وقيل لحذيفة: من المنافق؟ قال: الذي يصف الاسلام ولا يعمل به { إلا الذين تابوا } يعني تابوا من النفاق بالندم عليه { وأصلحوا } يعني أصلح قولهم وفعلهم { واعتصموا بالله } أي بطاعته من كل ما يخاف عاجلا وآجلا { وأخلصوا دينهم لله } قيل: عبدوا الله وحده دون من سواه { فأولئك مع المؤمنين } ، قيل: معهم في الجنة، وقيل: معهم في الولاية والكرامة في الدنيا والآخرة { وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما } أي ثوابا دائما { ما يفعل الله بعذابكم } قيل: الخطاب للمنافقين كأنه قال: لا حاجة لي في جعلكم في الدرك الأسفل من النار إذا تبتم وشكرتم، وقيل: خطاب لجميع المكلفين وبيان أنه لا حاجة به وأنه يعاقب لا لحاجة لكن لحكمة وأنه يعاقب المسيء فإن آمنتم به فقد أبعدتم عن أنفسكم استحقاق العذاب { وكان الله شاكرا } مبينا موفيا لأجوركم، وقيل: شاكرا يشكر عباده على طاعتهم بأن يثيبهم عليها { عليما } بأعمالكم فيجازيكم عليها { لا يحب الله بالجهر بالسوء من القول إلا من ظلم } قال جار الله: إلا جهر من ظلم استثنى من الجهر الذي لا يحبه الله جهر المظلوم وهو أن يدعو عليه ويذكره بما فيه من السوء، وقيل: هو أن يبدأ بالشتيمة فيرد على الشاتم { ولمن انتصر بعد ظلمه } ، وقيل: نزلت في الضيف إذا أساء إضافته فله أن يشكر مضيفه، وقيل: نزلت في الدعاء على الغير، فليس لأحد أن يدعو على غيره إلا المظلوم، وقد قال (صلى الله عليه وآله وسلم):
" اتقوا دعوة المظلوم "
وقيل: لا يدعو على من ظلمه عن ابن عباس، وقيل: يكره رفع الصوت بما يسوء غيره إلا المظلوم يدعو على من ظلمه، وقيل: لا يخبر بظالم ظلمه، وقيل: ضاف رجل قوما فلم يطعموه فأصبح شاكيا فعوقب على الشكاية فنزلت وذكر ابداء الخير وإخفاءه تشبها للعفو لأن العفو هو الغرض المقصود { فإن الله كان عفوا قديرا } أي يعفو عن الجانبين مع قدرته على الانتقام.
[4.150-155]
अज्ञात पृष्ठ