[النساء: 69] حكاه الأصم، ثم ضرب الله مثلا للفريقين الذين تقدم ذكرهم فقال سبحانه: { واضرب لهم مثلا } أي لمن تقدم ذكرهم، أي مثل حال الكافرين والمؤمنين بحال { رجلين } أخوين من بني إسرائيل وكان أحدهما كافر اسمه قطروس والآخر مؤمن اسمه يهوذا، وقيل: هما المذكوران في سورة الصافات في قوله:
إني كان لي قرين
[الصافات: 51]، ورثا من أبيهما ثمانية آلاف دينار فاشترى الكافر أرضا بألف دينار، فقال له المؤمن: اللهم ان أخي اشترى أرضا بألف دينار وأنا أشتري أرضا في الجنة بألف وتصدق به، ثم اشترى أخوه دارا بألف، فقال: اللهم إني أشتري منك دارا في الجنة بألف فتصدق، وتزوج امرأة بألف، فقال: اللهم اني جعلت ألفا صداق للحور العين، ثم اشترى أخوه خدما ومتاعا بألف، فقال: اللهم إني أشتري منك الولدان المخلدون بألف فتصدق به، ثم أصابه حاجة فجلس لأخيه على طريقه فمر به فتعرض له فطرده ووبخه على التصدق بماله { وحففناهما بنخل } جعلنا النخل محيطا بالجنتين { وجعلنا بينهما زرعا } ، قيل: حول الأعناب الزرع ووسطه الزرع، وقيل: بين الجنتين الزرع { كلتا الجنتين } كل واحدة منهما { آتت } أعطت { أكلها } ثمرها { ولم تظلم منه شيئا } لم تنقص { وفجرنا } شققنا { خلالهما } وسطهما يعني وسط الجنتين { نهرا } يجري فيه الماء { وكان له ثمر } أي للرجل الكافر ثمر من النخل الذي فيه، وقيل: ذهب وفضة، وقيل: مستوف الأموال { فقال } الكافر { لصاحبه } المؤمن { وهو يحاوره } يخاطبه { أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا } ، قيل: عشيرة ورهطا، وقيل: خدما، وقيل: ولدا { ودخل جنته } يعني الكافر { وهو ظالم لنفسه } بكفره { قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا } ، قيل: أراد ما دمت حيا، وقيل: توهم { ومآ أظن الساعة قائمة } آتية { ولئن رددت إلى ربي } أي صرت اليه في المعاد { لأجدن خيرا منها منقلبا } أي منزلا ومرجعا، ومتى قيل: كيف صح قوله ولئن رددت الى ربي مع أنه كافر؟ قيل: معناه ولئن رددت إلى ربي كما زعمت.
[18.37-44]
{ قال له صاحبه } المؤمن وهو يحاوره يخاصمه { أكفرت بالذي خلقك من تراب } خلق أصلك وهو آدم { ثم من نطفة } أي خلق ولده من نطفة { ثم سواك رجلا } أي عدلك بأن جعلك بشرا سويا يعني نقلك من حال إلى حال { لكنا هو الله ربي } الذي أنشأها حالا بعد حال دل على صانع عالم مختار { ولا أشرك بربي أحدا } يعني لا أشرك في عبادتي أحدا معه، يعني إن كنت تفاخر بالدنيا فأنا أفاخر بالتوحيد { ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله } أي هلا اتكلت في جميع أمرك على مشيئته وتدبيره { ان ترن أنا أقل منك مالا وولدا } فأنا راض بقضائه { فعسى } لعل { ربي أن يؤتين خيرا من جنتك } أي يعطيني من جهته ما هو خير من هذا البستان وأعظم شأنا { ويرسل عليها حسبانا من السماء } ، قيل: عذابا، وقيل: نارا { فتصبح صعيدا } ترابا { زلقا } أي أملس لا نبات عليه، وقيل: رملا { أو يصبح ماؤها غورا } أي غائرا ذاهبا في الأرض { فلن تستطيع له طلبا } أي لا تدري أين ذهب، ثم بين تعالى ما آل اليه الكافر فقال تعالى: { وأحيط بثمره } أي أحاط الهلاك بثمره فأهلك حتى لم يخرج منه شيء، وروي أنه تعالى أرسل عليها نارا { فأصبح } هذا الكافر { يقلب كفيه } يصفق بأحد يديه على الأخرى ويقلبها { وهي خاوية على عروشها } يعني الجنة ساقطة على سقوفها، وقيل: صار أعلاها أسفلها، والعروش الأبنية { ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا } فتمنى الايمان لبقاء لا لوجوبه وكان لا ينفعه ولو ندم على الكفر آمن بالله { ولم تكن له فئة ينصرونه } من عقاب الله وكلاك ما له { وما كان منتصرا } ممتنعا { هنالك الولاية } أي في ذلك المكان وتلك الحالة النصرة لله لا يملكها غيره، ويجوز أن يكون المعنى هنالك الولاية لله ينصر فيها أولياءه المؤمنين على الكفرة الحق قيل: من صفة الولاية، وقيل: من صفة الله على اختلاف القراءتين { هو خير ثوابا وخير عقبا }.
[18.45-51]
{ واضرب لهم } أي لهؤلاء المتكبرين آثروا ما يفنى على ما يبقى، قيل: لقومك، وقيل: لمن يزعم أنه { مثل الحياة الدنيا } يعني سنة الحياة الدنيا ونعيمها { كماء أنزلناه من السماء } وهو المطر { فاختلط به نبات الأرض } ، قيل: اختلط الماء بالنبات { فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا } ، قوله تعالى: { المال والبنون زينة الحياة الدنيا } أي يتزينون بها ويتفاخرون بها { والباقيات الصالحات } يعني أن البقاء الثواب، العمل الصالح، وقيل: الطاعات، وقيل: لا إله إلا الله والصيام والحج والجهاد، وقيل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وقيل: الصلوات الخمس { وخير أملا } أي خير شيء تأمله المرء { ويوم نسير الجبال } يعني يوم القيامة أي نزيلها عن أمكنتها { وترى الأرض } أيها الإنسان { بارزة } ليس عليها ما يسترها مما كان عليها، فلا شيء يسترها عن أعين الناظرين من بناء من جبل وشجر والبروز أصله الظهور، قيل: يحشر الناس في صعيد واحد يرى بعضهم، وقد يرى ما كان في بطنها فصار على ظهرها { وحشرناهم } وجمعناهم إلى الموقف { فلم نغادر منهم أحدا } أي لم نترك أحدا إلا وقد جمعناه، وقيل: يحشرون حفاة عراة عزلا { وعرضوا } يعني عرضوا للمحاسبة { على ربك صفا } كصفوف الصلاة يعرضون قياما { كما خلقناكم أول مرة } أحياء حفاة عراة عزلا، وقيل: لا أموال ولا أولاد { بل زعمتم ألن نجعل } لكم موعدا يعني الجزاء والحساب يوم القيامة { ووضع الكتاب } يعني صحائف الأعمال { فترى المجرمين مشفقين } خائفين { مما فيه } من الأعمال السيئة { ويقولون } إذا قرأوها { يا ويلتنا } يدعون بالويل والثبور، والويل: الهلاك { ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها } أي لا شيئا من الذنوب إلا أحصاها، قيل: الصغيرة التبسم والكبيرة القهقهة، وقيل: الكبيرة الزنا، وقيل: المراد به يجري بما جل ودق لأن الصغيرة ما نقص عقابه عن طاعته والكبيرة ما زاد عقابه على ثواب طاعته، ومتى قيل: أليس معفوا عنها؟ قيل: لا صغيرة للكفار وإنما يقع الصغائر من المؤمن { ووجدوا ما عملوا حاضرا } في الصحف عتيدا { ولا يظلم ربك أحدا } فيكتب عليه ما لم يعمل أو يزيد في عقابه، ثم بين تعالى ما جرى من ابليس تحذيرا من مثل حاله فقال سبحانه: { وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم } وقد بينا أنه سجود تحية لا سجود عبادة، وقيل: إنه قبله للسجود { فسجدوا } يعني الملائكة { إلا ابليس } فأمر معهم بالسجود وإن لم يكن منهم { كان من الجن } ، قيل: إنه كان أبو الجن كما أن آدم أبو الإنس روي ذلك في الحاكم، وقيل: كان من الجن الذين طردتهم الملائكة فأسره بعض الملائكة فذهب به إلى السماء، وقيل: كان من قبيل من الملائكة يقال لهم الجن كانوا خزان الجنان وسموا الجن لاستتارهم من العيون { ففسق عن أمر ربه } أي خرج عن طاعة ربه { أفتتخذونه وذريته } خطاب لبني آدم { وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو } قد ظهرت عداوتهم وهذا استفهام والمراد به الإنكار، أي لا تتخذونهم أولياء، والذرية النسل، قال الحسن: الإنس عن آخرهم ذرية آدم والجن عن آخرهم ذرية ابليس { بئس للظالمين بدلا } البدل ابليس وذريته من الله { ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض } يعني الكفار، وقيل: آدم وذريته لم يحضروا ذلك، وقيل: الملائكة يعني إذا لم يشهدوا خلق هذه الأشياء فلم زعموا أن الملائكة بنات الله؟ وقيل: { ما أشهدتهم } ما خلقت مستعينا بهم في الخلق والتدبير، وقيل: أراد أنهم مخلوقون لم يكونوا كما خلق السماوات والأرض وكلهم مخلوقون.
[18.52-56]
قوله تعالى: { ويوم يقول } الله تعالى { نادوا شركائي الذين زعمتم } إنهم شركاء، قيل: أراد الشياطين، وقيل: الأوثان، وهذا كله توبيخ { فلم يستجيبوا لهم } لأن الأصنام تعجز عن الجواب أو أراد عيسى وعزير { وجعلنا بنيهم موبقا } أي واد في جهنم، وقيل: عداوة بين الأوثان وعبدتها، وقيل: بين أهل الهدى والضلال { ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها } يعني أيقنوا أنهم مخالطوها { ولم يجدوا عنها مصرفا } أي موضعا ينصرفون إليه { ولقد صرفنا } بينا { في هذا القرآن للناس من كل مثل } من نوع واحد وأنواع مختلفة ليتفكروا فيها { وكان الإنسان أكثر شيء جدلا } الآية نزلت في أبي خلف والجدال الخصومة بالباطل { وما منع الناس أن يؤمنوا } الآية، نزلت في أهل مكة { إذ جاءهم الهدى } أي ما منعهم وهذا استفهام والمراد به الإنكار كأنه قال: لا شيء يمنعهم من الاهتداء فقد جاءهم الهدى ولا عذر لهم في تركه { إلا أن تأتيهم سنة الأولين } هذا ليس استثناء حقيقي أراد به أنه لا مانع لهم أصلا سنة الأولين، يعني طريقة الله في هلاك من عصاه { أو يأتيهم العذاب قبلا } يعني عيانا، وقيل: فجأة { وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين } يعني بعث الرسل بالوعد للمحسن والوعيد للمسيء { ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا } يخاصموا به { الحق } ، قيل: ليزيلوا الحق عن قراره وهكذا إعادة المبطل { واتخذوا آياتي وما أنذروا هزوا } هو القرآن وكانوا يستهزئون به.
[18.57-61]
अज्ञात पृष्ठ