قوله تعالى: { وإلى عاد } يعني وارسلنا إلى عاد وهو عاد بن عوص بن آدم بن سام بن نوح { أخاهم } في النسب لا في الدين { هودا } وهو هود بن عبد الله بن رباح بن الخلود بن آرم بن سام بن نوح، رواه الثعلبي { أفلا تتقون } الله فتوحدوه { إنا لنراك } يا هود { في سفاهة } جهالة { وإنا لنظنك من الكاذبين } إنك رسول الله إلينا وإن العذاب نازل بنا، قوله: { على رجل منكم } يعني نفسه، قوله تعالى: { واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح } أي خلفتموهم في الأرض وجعلكم ملوكا في الأرض قد استخلفكم فيها بعدهم، وروي أن عادا كانوا ينزلون الأحقاف من حد اليمن إلى عمان إلى حضرموت، وكانوا ذات بسطة وقوة يعبدون الأصنام، وكان أطولهم مائة ذراع وأقصرهم ستون ذراع، فبعث الله إليهم هودا، وكان مؤمنا من أوسطهم نسبا، وأفضلهم دينا وورعا، فدعاهم إلى عدل الله تعالى وتوحيده ووعده ووعيده فكذبوه، فأمسك الله تعالى عنهم المطر ثلاث سنين متواليات فجهدوا، وساق الله إليهم سحابة سوداء فاستبشروا وقالوا: هذا عارض ممطرنا فقال الله تعالى: بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها، روي أن أول من عرف أنها ريح امرأة من عاد فلما تبينت ما فيها صاحت ثم صعقت فلما أفاقت قالوا: ماذا رأيت؟ قالت: رأيت ريحا فيها كشهب النار، أمامها رجال يرددونها، فسخرها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما يعني دائمة فلم تدع من عاد أحدا إلا أهلكته، واعتزل هود ومن آمن معه، ومطرت على عاد وكانت تطير بالابل والرجال في الهوى فدخلوا البيوت فدخلت عليهم فأهلكتهم، واختلفوا في قبر هود فقيل: هو بمكة، وقيل: بحضرموت، وروي أن بين المقام والركن تسعة وتسعون نبيا، وقيل: كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا هلك قومه أتى مكة يعبد الله تعالى حتى يموت { وزادكم في الخلق بصطة } أي طولا وقوة وشدة { فاذكروا آلاء الله } أي نعمه عليكم { قال } هود { قد وقع عليكم من ربكم } أي نزل وحل، وقيل: وجب عليكم { رجس } ، قيل: عذاب، وقيل: سخط { أتجادلونني في أسماء سميتموها } آلهة لا تضر ولا تنفع { أنتم وآباؤكم } من قبلكم، قوله تعالى: { ما نزل الله بها من سلطان } حجة وبيان { فانتظروا } نزول العذاب { إني معكم من المنتظرين } { فأنجيناه } يعني هودا عند نزول العذاب { والذين } آمنوا { معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا } أي استأصلناهم فأهلكناهم.
[7.73-79]
{ وإلى ثمود } أي وأرسلنا إلى ثمود، قال في الثعلبي: هو ثمود بن عامر بن أرم بن سام بن نوح { أخاهم صالحا } وهو صالح بن عبيد بن آسف بن ماسح بن عبيد بن حاذر بن ثمود { قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم } حجة ودلالة من ربكم على صدقي، قال جار الله: إنما سميت ثمود لقلة مائها من الثمد وهو الماء القليل، وكانت مساكنهم الحجر بين الحجاز والشام، وروي أن عادا لما أهلكت عمرت ثمود بلادهم وخلفوهم في الأرض، فكثروا وعمروا أعمارا طوالا حتى إن الرجل منهم كان يبني المنزل المحكم فينهدم في حياته، فنحتوا البيوت من الجبال، وكانوا في سعة ورخاء من العيش فعتوا على الله تعالى وأفسدوا في الأرض، وعبدوا الأوثان، فبعث الله إليهم صالحا (عليه السلام) وكانوا قوما عربا، وصالح من أوسطهم نسبا فدعاهم الى الله تعالى فلم يتبعوه إلا قليلا منهم مستضعفون، فحذرهم وأنذرهم، ولما ألح عليهم صالح بالدعاء والتبليغ وأكثر لهم التخويف سألوا آية فقال لهم: أي آية تريدون؟ فقالوا: أتخرج معنا إلى يوم عيدنا في يوم معلوم لهم من السنة فتدعو إلهك وندعو آلهتنا فإن استجيب لك اتبعناك وإن استجيب لنا اتبعتنا، فقال صالح: نعم، فخرج معهم ودعوا آلهتهم وسألوها الإجابة فلم تجبهم، ثم قال سيدهم جندع بن عمرو وأشار إلى صخرة منفردة في ناحية الجبل يقال لها الكاتبة: أخرج لنا من هذه الصخرة ناقة فإن فعلت صدقناك، فأخذ صالح المواثيق: لئن فعلت ذلك لتؤمنن ولتصدقن؟ قالوا: نعم، فصلى ودعا ربه فتمخضت الصخرة وانصدعت عن ناقة كما وصفوا لا يعلم ما بين جنبيها إلا الله تعالى من عظمها وهم ينظرون، ثم نتجت ولدا مثلها في العظم فمكثت الناقة مع ولدها ترتعي الشجر وتشرب الماء، وكانت ترد غبا فإذا كان يومها وضعت رأسها في البئر فتشرب كل ما فيها فما ترفع حتى تشرب كل ما فيها فيحلبون ما شاؤوا حتى تمتلئ أوانيهم ويشربون ويدخرون، وروي أن صدرها كان ستين ذراعا، ورورى الثعلبي: أن جندع بن عمرو آمن به، ورهط من قومه، وروي أن المواشي كانت تفر منها إذا رأتها وتهرب منها ابلهم وأغنامهم وبقرهم، وعن السدي: أوحى الله تعالى إلى صالح أن قومك سيعقرون ناقتك، فقال لهم ذلك فقالوا: ما كنا لنفعل، فقال لهم صالح: إنه سيولد في شهركم هذا غلام يعقرها ويكون هلاككم على يديه، وروي أن الذي زين لهم عقرها امرأة يقال لها عنيزة، والذي عقرها قذار بن سالف، فعقرها واقتسموا لحمها وطبخوه، وكان صالح قال لهم: أدركوا الفصيل عسى أن يرفع عنكم العذاب، فلم يقدروا عليه ورقى جبلا فرغا ثلاثا، وقال في الأول: يا رباه، وفي الثاني: يا أماه، وفي الثالث: يا صالحاه، فانفتحت الصخرة بعد رغائه فدخلها فقال لهم صالح: تمتعوا في داركم ثلاثة أيام تصبحوا غدا ووجوهكم مصفرة، وبعد غد ووجوهكم محمرة، والثالث ووجوهكم مسودة، فلما رأوا العلامات طلبوا أن يقتلوه، فأنجاه الله تعالى إلى أرض فلسطين، ولما كان اليوم الرابع وارتفع الضحى تحنطوا وتكفنوا فأتتهم صيحة من السماء فتقطعت قلوبهم فهلكوا، وروي أنه لم يبق منهم إلا إمرأة مقعدة أطلقها الله تعالى لتخبر بما عاينت من العذاب، وقيل: توفي صالح بمكة وهو ابن ثمان وخمسين سنة، وروي أن عقرهم الناقة كان يوم الأربعاء، ونزل بهم العذاب يوم السبت، وروي أنه خرج في مائة وعشرين من المسلمين فالتفت فرأى الدخان ساطعا فعلم أنهم قد هلكوا وكانوا ألفا وخمسمائة دار.
[7.80-84]
قوله تعالى: { ولوطا } أي وأرسلنا لوطا وهو ابن أخي ابراهيم (عليه السلام)، أرسله الله تعالى إلى المؤتفكات، وهي سبع مدائن، وقيل: خمس أعظمها سدوم وكان مسكنه فيها، وفي كل قرية منها مائة ألف مقاتل، فبعث الله تعالى لوطا إلى هذه المدائن فعصوا وفعلوا الفواحش كما قص الله تعالى عنهم
إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين
[العنكبوت: 28] { إنكم لتأتون الرجال } هم أول من فعل هذه الفاحشة اتيان الذكور فبعث الله جبريل مع جماعة من الملائكة لإهلاك قوم لوط، وأمرهم أن يبشروا إبراهيم بإسحاق، ثم خرجوا حتى أتوا لوطا (عليه السلام) فنزلوا عليه وهم على أحسن صورة، ودلت امرأته قومه عليهم حتى طمست أعينهم، وخرج جبريل ولوط ومن آمن معه وأهلكهم الله تعالى عند الصبح، ورفع تلك المدائن حتى قربت من السماء، ثم قلبها جبريل فهلكت امرأته مع من هلك، ورمت الحجارة من كان غائبا حتى لم يبق منهم أحد، وقيل: أمطرعليهم الكبريت والنار، وقيل: خسف بالمقيمين منهم وأمطر على مسافريهم، وقيل: مطرت عليهم ثم خسف بهم، وروي أن تاجرا منهم كان بالحرم فوقف له الحجر أربعين يوما حتى قضى تجارته وخرج فوقع عليه، وروى الثعلبي: أن بلاد قوم لوط أخصبت فانتجعها أهل البلاد، فتمثل لهم ابليس في صورة رجل شاب ثم دعا إلى دبره فنكح، ثم عبثوا بذلك العمل، فلما كثر ذلك فيهم عجت الأرض إلى ربها فسمعت السماء فعجت إلى ربها، ثم كذلك العرش، فأمر الله تعالى السماء أن تحصبهم وأمر الأرض أن تخسف بهم، وروي فيه أيضا: أن ابليس عرض لهم في صورة شيخ فقال: ان فعلتم بهم كذا فجرتم منهم فأبوا، فلما ألح الناس عليهم قصدوهم، فأصابوا غلمانا صباحا فافحشوا واستحكم ذلك فيهم، قال الحسن: كانوا لا ينكحون إلا الغرباء.
[7.85-93]
قوله تعالى: { وإلى مدين } أي وأرسلنا إلى مدين وهو مدين بن ابراهيم خليل الرحمن، وقيل: مدين اسم موضع، وقيل: اسم جد شعيب ( عليه السلام)، وقيل: هم أصحاب الأيكة، وقال عطاء: هو شعيب بن ثوبة بن ابراهيم (عليه السلام)، وقال ابن اسحاق: هو شعيب بن ثوبة بن إبراهيم فقال لهم: { يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم } حجة وبرهان، وهو المعجزة الذي أظهرها الله عليه { فأوفوا الكيل والميزان } يعني ما يكيلون على الناس وما يزنون عليهم بالميزان { ولا تبخسوا الناس أشياءهم } يعني لا تنقصوا حقوقهم، وقيل: البخس الظلم { ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها } ، قيل: لا تفسدوا فيها بالعصيان من سفك الدماء، واستحلال المحارم بعد إصلاحها ببيان الدين وإرسال شعيب { ذلكم } الذي ذكرت { خير لكم إن كنتم مؤمنين } مصدقين بما أقول لكم، قوله تعالى: { ولا تقعدوا بكل صراط توعدون } الناس، وقيل: كانوا يقعدون على طريق من قصد شعيبا للايمان فيخوفونه بالقتل وكانوا يقطعون الطريق { وتصدون عن سبيل الله } عن دين الله { وتبغونها عوجا } وذلك أنهم كانوا يقعدون على الطريق يخبرون من قصد شعيبا للايمان به ويقولون: إن شعيبا كذاب فلا يفتنك عن دينك، و { واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم } ، قيل: كثر عددكم بالغنى بعد الفقر { وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين }. قوله تعالى: { قال الملأ الذين استكبروا من قومه } ، يعني الرؤساء الذين تعظموا عن الإيمان به { أو لتعودن في ملتنا } أي شريعتنا أي تدعون دينكم وتصيرون إلى ديننا، فإن قيل: كيف؟ قال: تعودون في ملتنا ولم يكونوا فيها، قيل: لأن الذين اتبعوا شعيبا كانوا في دينهم وإلا فشعيب (عليه السلام) لم يكن على ملتهم، وقيل: قالوا هذا القول على وجه التلبيس والايهام على العوام يوهمون عليهم كانوا منهم، وقيل: أن شعيبا وقومه في بدء أمرهم كانوا يخفون أمرهم فكانوا يظنون أنهم على دينهم، قوله تعالى: { بعد إذ نجانا الله منها } أي خلصنا بلطفه وبيانه { وما يكون لنا أن نعود فيها } اختلفوا في قوله فيها الكناية إلى ماذا ترجع؟ قيل: إلى الملة عن أكثر المفسرين، وقيل: إلى القرية وقد تقدم ذكرها في قوله تعالى: { لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا } ، ومن قال الكناية راجعة إلى الملة اختلفوا في معنى الآية على أقوال: الأول أن المراد بالملة الشريعة وفي شريعتهم ما يجوز التعبد به كأنه قيل: ليس لنا أن ندخل فيها إلا أن يتعبدنا الله بها وينقلنا إليها وينسخ ما نحن فيه من الشريعة، وقيل: { إلا أن يشاء } متعبدنا بما يجوز، وقيل: هنا على وجه البعد كما يقال لا أفعل هذا حتى يبيض الغراب وحتى يلج الجمل في سم الخياط { وسع ربنا كل شيء علما } أحاط علمه بكل شيء فلا يخفى عليه شيء { على الله توكلنا } ، فيما يوعدنا به { ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق } أي اقض بيننا، وقيل: افصل { وأنت خير الفاتحين } أي الحاكمين { وقال الملأ الذين كفروا من قومه } ، قيل: الجماعات، وقيل: الأشراف { لئن اتبعتم شعيبا } يعني في دينه وتركتم دينكم، قيل : خسرتم بما يلحقكم من جهتنا من الأداء، وقيل: خسرتم في الآخرة إذا تركتم دينكم ودين آبائكم { فأخذتهم الرجفة } قيل: الزلزلة، وقيل: أهلكوا بالنار يعني نزلت عليهم نار من السماء فأهلكتهم، وقيل: تزلزلت أرضهم وسقطت ديارهم، وقيل: زلزلوا فأحاطت بهم النار فهلكوا، وقيل: جاءهم حر شديد فدخلوا البيوت فدخل عليهم ثم جاءت سحابة فيها ريح طيب فخرجوا إلى البرية حتى اجتمعوا تحت السحابة رجالهم ونساؤهم وصبيانهم فألهبها الله تعالى نارا، وزلزلت الأرض، فاحترقوا وصاروا رمادا، وهو قوله تعالى:
فأخذهم عذاب يوم الظلة
अज्ञात पृष्ठ