ثبت أقدامنا على جادة توحيدك، وجنبنا عن الخطر والتزلزل منها بمنك وجودك.
[4.7-10]
ثم لما أمر أولا سبحانه عباده بالتقوى على وجه المبالغة والتأكيد، وقرن عليه حفظ الأرحام ومراعاة الأيتام، ومواساة السفهاء المنحطين عن درجة العقلاء، أراد أن يبين أحوال المواريث والمتوارثين مطلقا، حتى لا يقع التغالب والتظالم فيها كما في الجاهلية الأولى؛ إذ روي أنهم لا يرثون النساء معللين بأنهن لا يحضرن الوغى ولا يدفعون العدو.
رد الله عليهم وعين لكل واحد من الفريقين نصيبا مفروزا مفروظا، فقال: { للرجال } سواء كانوا بالغين أم لا، عقلاء أم سفهاء { نصيب } بينهم مفروض مقدر { مما ترك الوالدان والأقربون وللنسآء } أيضا بالغات، عاقلات أم لا { نصيب } مقدر { مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه } المتروك { أو كثر نصيبا مفروضا } [النساء: 7] مقدرا في كتاب الله، كما يجيء بيانه وتعيينه من قريب.
{ و } من جملة الأمور المترتبة على التقوى: تصدق الوارثين من المتروك { إذا حضر القسمة } أي: وقتها { أولوا القربى } المقلين، المحجوبين عن الإرث { واليتامى } الذين لا مال لهم ولا متعهد لهم { والمساكين } الفاقدين وجه المعاش { فارزقوهم منه } أي: فاعطوهم أيها الوارثون من المقسم المتروك مقدار ما لا يؤدي إلى تحريم الورثة { وقولوا لهم } حين الإعطاء { قولا معروفا } [النساء: 8] خاليا عن وصمة المن والأذى.
{ وليخش } من سخط الله وغضبه الأوصياء أو الحضار { الذين } حضروا عند من أشرف على الموت أن يلقنوا له التصدق من ماله على وجه يؤدي إلى تحريم الورثة، وعلى الحضار أن يفرضوا { لو } ماتوا أو { تركوا من خلفهم ذرية } أخلافا { ضعافا } بلا مال ولا متعهد { خافوا عليهم } البتة ألا يضيعوا، فيكف لا يخافون على أولئك الضعاف الضياع؟! بل المؤمن لا بد أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه بل أولى منه { فليتقوا الله } أولئك الحضار أو الأوصياء عن التلقين المخل لنصيب الورثة { وليقولوا } له ويلقنوا عليه { قولا سديدا } [النساء: 9] معتدلا بين طرفي الإفراط والتفريط؛ رعاية للجانبين، وحفظا للغبطتين.
ثم قال سبحانه توبيخا وتقريعا على الظالمين المولعين في أكل أموال اليتامى من الحكام والأوصياء والمتغلبة من الورثة: { إن الذين يأكلون أموال اليتمى ظلما } بلا رخصة شرعية { إنما يأكلون } ويدخرون { في بطونهم نارا } معنويا في النشأة الأولى، مستتبعا النار الصوري في النشأة الأخرى، وهي نار البعد والخذلان { و } هم فيها { سيصلون } أي: سيدخلون { سعيرا } [النساء: 10] لا ينجو منها أحد.
[4.11]
ثم لما قدر سبحانه على المتوارثين نصيبا مفروضا على وجه الإجمال، أراد أن يفصل ويعين أنصباءهم، فقال: { يوصيكم الله } أي: يأخذ منكم العهد ويأمركم بمحافظته { في } حق { أولدكم } المستخلفين بعدكم، وهو أن يقسم متروك المتوفى منكم بينهم { للذكر مثل حظ الأنثيين } أي: لأن كل ذكر لا بد له من أنثى أو أكثر ليتزوجها، حتى يتم أمر النظام الإلهي والنكاح المعنوي، ويجب عليه جميع حوائجها، وكذا لكل أنثى لا بد لها من ذكر ينكحها بعين ما ذكر، ويأتي بحوائجها، فاقتضت أيضا الحكمة الألهية أن يكون نصيبهما بقدر كفافهما واحتياجهما؛ لذلك عينه سبحانه هكذا.
{ فإن كن } أي: الوارثات { نسآء } خلصا ليس بينهن ذكور، هن { فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك } المتوفى { وإن كانت } الوارثة بنتا { واحدة } فقط { فلها النصف } مما ترك المتوفى، وإن كانتا بنتين فقط، فقد اختلف فيهما، فقال ابن عباس: حكمهما حكم الواحدة، وقال الباقون: حكمهما حكم ما فوق الاثنين، وعلى هذا يكون لفظة: { فوق } مقحما، كما في قوله تعالى:
अज्ञात पृष्ठ