وهم: { الذين يذكرون الله } المتوحد في ذاته في جميع حالالتهم { قياما } قائمين { وقعودا } قاعدين { وعلى جنوبهم } مضطجعين، متكئين { ويتفكرون } دائما { في خلق السموت والأرض } إلى أن سكروا، وترقى سكرهم إلآ ان تحيروا، بعد تحيرهم استغرقوا، وبعدما استغرقوا تاهوا، وبعدما تاهوا فاتوا، وحينئذ انقطع سيرهم، فمنهم من تمكن في تلك المرتبة واستقر عليها، ومنهم من صحى عن سكره ورجع إلى بدنه مستكملا، قائلا: { ربنآ ما خلقت هذا } المحسوس، المشاهد { باطلا } بلا طائل { سبحانك } ننزهك يا ربنا عن مدركات عقولننا وحواسنا { فقنا } واحفظنا بلطفك { عذاب النار } [آل عمران: 191] التي هي غفلتنا من مطالعة وجهك الكريم.
[3.192-194]
{ ربنآ إنك من تدخل النار فقد أخزيته } جعلته في مضيق الإمكان محبوسين، معذبين، مطرودين، فظلموا أنفسهم بالالتفات إلى غيرك { وما للظالمين } المستقرين، نفوسهم في ظلمة الإمكان { من أنصار } [آل عمران: 192] ينصرونهم ويخرجونهم منها، سوى من أبدت من عندك بأخراجهم من الأنبياء والأولياء، بعد توفيقك إيانا بإرسال الرسل.
{ ربنآ إننآ سمعنا مناديا } مشفقا، هاديا، مرشدا؛ إذ هو { ينادي } ويرشد { للإيمان } بتوحيدك قائلا: { أن آمنوا } أيها التائهون في ظلمة الإمكان { بربكم } الذي رباكم بنور الوجود { فآمنا } فامتثلنا أمره يا { ربنا } فتحققنا بإرشاده في مرتبة اليقين العلمي بوحدة ذاتك، وبعد تحققننا فيها { فاغفر } استر { لنا ذنوبنا } أنانيتنا التي صرنا بها محرومين عن ساحة حضورك، حتى يتحقق بلطفك وتوفيقك في مرتبة اليقين العيني بمعاينة ذاتك { و } بعد تحققنا فيها { كفر } طهر { عنا سيئاتنا } أوصافنا التي تشعر بالاثنينية بالكلية، حتى نتحقق بفضلك وجودك في مرتبة اليقين الحقي { و } بعد ذلك { توفنا } في فضاء الفناء { مع الأبرار } [آل عمران: 193] الفانين في الله، الباقين ببقائه.
{ ربنا } ثبتنا في مقام عبوديتك { وآتنا ما وعدتنا على } لسان { رسلك } من الكشوف والشهود وسائر ما جاءوا به، وأخبروا عنه { ولا تخزنا } تحرمنا { يوم القيامة } حين لقيناك عما وعدتنا من شرف لقائك { إنك } بلطفك وفضلك على عبادك { لا تخلف الميعاد } [آل عمران: 194] الذي وعدت من سعة رحمتك وجودك على عبادك.
[3.195-197]
ولما تضرعوا إلى الله، والتجأوا إليه، وندموا عما هم عليه { فاستجاب لهم ربهم } فاستقبل عليهم بالإجابة قائلا: { أني لا أضيع عمل عامل } مخلص { منكم } سواء كان { من ذكر أو أنثى } إذ { بعضكم } ناشئ { من بعض } ذكركم من أنثاكم، وأنثاكم من ذكركم في الإنسانية والمظهرية الجامعة اللائقة للخلافة، { فالذين هاجروا } منكم من دار الغرور، طالبا الوصول إلى دار السرور { وأخرجوا } بسبب هذا الميل { من ديرهم } المألوفة التي هي بقعة الإمكان { وأوذوا في سبيلي } بسبب قطع التعلقات وترك المألوفات { وقتلوا } مع القوى الحيوانية { وقتلوا } في الجهاد الأكبر.
{ لأكفرن } لأمحون وأطهرن { عنهم سيئاتهم } التي هي ذواتهم الباطلة، الهالكة { ولأدخلنهم جنت } ملاحظات ومكاشفات ومشاهدات { تجري من تحتها الأنهر } أي: أنهار المعارف والحقائق دائما ، متجددا { ثوابا } نازلا { من عند الله } تفضلا وامتنانا { والله } المستجمع شتات العباد { عنده حسن الثواب } [آل عمران: 195] وخير المنقلب والمآب.
{ لا يغرنك } يا أكمل الرسل { تقلب الذين كفروا } أي: انتقالهم وإرتحالهم { في البلاد } [آل عمران: 196] لاستجلاب المنافع والمتاجر.
إذ هو { متاع قليل } لذة يسيرة في مدة قسيرة { ثم } بعد انقضاء النشأة الأولى { مأواهم } ومنقلبهم { جهنم } البعد والخذلان، خالدين فيها أبدا { وبئس المهاد } [آل عمران: 197] مهد نيران الحرمان.
अज्ञात पृष्ठ