وبالجملة: { يخلق الله } المقتدر على الخلق والإيجاد { ما يشآء } من الموجودات والخلوقات إرادة واختيارا { إن الله } المتصف بصفات الكمال { على كل شيء } داخل في حيطة علمه { قدير } [النور: 45] بإيجاده وإظهاره في فضاء العيان بلا قتور وقصور.
[24.46-52]
ثم قال سحبانه تحريكا لحمية عباده، وتشديدا لبنيان اعتقاداتهم بالله وتوحيده وأسمائه وصفاته: { لقد أنزلنآ } من مقام جودنا، ولطفنا إليكم إيها المحبوسون في مضيق الإمكان، المقيدون بسلاسل الكفران والعصيان { آيات مبينات } موضحات مفصلات لتوحيدنا وصفاتنا وقدرتنا على الإنعام والانتقام، لعلكم تتفطنون منها إلى علو شأننا وكمال سطوتنا وسلطاننا، مع أن أكثركم لا تتفطنون ولا تتنبهون؛ لانهماككم في بحر الغفلة والضلالة، { والله } الهادي لعباده { يهدي } بفضله { من يشآء } هدايته منهم { إلى صراط مستقيم } [النور: 46] موصل إلى كعبة توحيده بلا عوج وانحراف.
{ و } من انحراف المنافقين، وانصرافهم عن طريق الحق، وميلهم إلى الباطل { يقولون } بأفواههم خوفا من حقن دمائهم وأموالهم: { آمنا بالله } المتوحد في ذاته { وبالرسول } المرسل من عنده لتبليغ دينه وآياته، { وأطعنا } لحكم الله ورسوله سمعا وطاعة { ثم يتولى } أي: يعرض وينصرف { فريق منهم } أي: من المنافقين { من بعد ذلك } الإقرار عن حكم الله ورسوله تكذيبا لنفسه، وإظهارا لما في قلبه من الكفر والنفاق { و } لذلك { مآ أولئك } الأشقياء المردودون { بالمؤمنين } [النور: 47] المتصفين بالإيمان والإذعان حقيقة، وإن أقروا واعترفوا على طرف اللسان؛ لأن الإيمان من صفات القلب واللسان مترجم له.
{ و } كيف كانوا مؤمنين أولئك المنافقون مع أنهمن { إذا دعوا إلى الله } المصلح لأحوال عباده { ورسوله } المستخلف منه سبحانه النائب عنه بإذنه { ليحكم بينهم } ويقطع نزاعهم { إذا فريق منهم معرضون } [النور: 48] أي: فأجاءوا إلى الانصراف عن حكم الله وحكم رسوله بعدما دعوا إلى رسوله إن كان الحكم عليهم.
{ وإن يكن لهم الحق } والحكم { يأتوا إليه } أي: إلى الرسول { مذعنين } [النور: 49] منقادين طائعين، وبالجملة: هم تابعون لمطلوبهم، وما هو مقصودهم، طالبون أن يصلوا إلى ما أملوا في نفوسهم، بلا ميل منهم إلى الحق وصراطه المستقيم وميزانه العدل القويم.
وما سبب ميلهم وإعراضهم؟! { أفي قلوبهم مرض } يعرضهم عن قبول الإيمان، والميل إلى اليقين والعرفان { أم ارتابوا } وترددوا في عدالة الله ورسوله { أم يخافون } من سوء ظنونهم { أن يحيف } ويميل { الله } المستوي على القسط والعدل { عليهم ورسوله } المتخلق بأخلاقه ظلما، بأن أجازوا الظلم على الله ورسوله { بل } الحق أنه لا شكل في عدالة الله ورسله، ولا ينسب الحيف والميل إليهما أصلا، فتعين أنه { أولئك } البعداء عن ساحة القبول { هم الظالمون } [النور: 50] المقصورون على الخروج عن حد الاعتدال، المائلون عن الصراط المستقيم لمرض قلوبهم وخبث طينتهم.
ثم قال سبحانه على مقتضى سنته المستمرة: { إنما كان قول المؤمنين } المخلصين على عكس المنافقين والمترددين { إذا دعوا } عند النزاع والمخاصمة { إلى الله ورسوله ليحكم بينهم } ويزيل شبههم { أن يقولوا } طائعين راغبين: { سمعنا وأطعنا } بلا مطل وتسويف، رضينا بما حكمنا الله ورسوله { وأولئك } السعداء المقبولون عند الله ورسوله { هم المفلحون } [النور: 51] الفائزون بالفلاح، المقصورون على الصلاح والنجاح، ولا يتحولون عنه بل يزادون عليه تفضلا وامتنانا.
{ و } كيف لا يزادون؛ إذ { من يطع الله } حق إطاعته وينقاد { ورسوله } حق الانقياد والاتباع { ويخش الله } المنتقم فيما صدر عنه، ومضى عليه من الذنوب بعدما تاب وندم { ويتقه } عنه سبحانه فيما بقي من عمره { فأولئك } المطيعون المنقادون بالله ورسوله، الخاشعون المخبتون المتقون { هم } المتقون { الفآئزون } [النور: 52] بالمثوبة العظمى والدرجة العليا عند الله
لا خوف عليهم ولا هم يحزنون
अज्ञात पृष्ठ