{ و } متى سلمني الله، وطهرني عن جميع ما يعوقني عن مقتضى صرافة الوحدة الذاتية الإلهية المعبرة عنها بروح الله صار { السلام علي } أي: سلام الله وحفظه { يوم ولدت } عن أمر يحفظني من مس الشيطان، { ويوم أموت } يحفظني عن شره ووسوسته أيضا { ويوم أبعث } للحشر أكون { حيا } [مريم: 33] بحياة الله وروحه كما كنت قبل هذا.
ثم لما سمعوا من عيسى ما سمعوا، تاهوا وتحيروا في أمره، وصاروا حيارى متعجبين في علو شأه وشأن والدته وجلالة قدرهما، فاختلفوا وتحزبوا، وفرقة منهم قالت بألوهيته، وفرقة قالت بإبنيته لله، وفرقة قالت بالأقانيم، ومنهم من رماه وأمه بما لا يليق بشأنهما.
أخبر سبحانه حبيبه بما هو الواقع الحق الصريح فقال: { ذلك } أي: القائل بهذه الكلمات والموصوف بهذه الصفات المذكورة هو { عيسى ابن مريم } لا ما قاله الغلاة من النصارى، ولا ما قاله طغاة اليهود بل { قول الحق } هذا { الذي } ذكر لك يا أكمل الرسل { فيه يمترون } [مريم: 34] ويترددون، مع أنه لا ريب فيه، لا ما قالته النصارى بأنه ابن الله.
إذ { ما كان لله } أي: ما صح وجاز بعلو شأنه سبحانه { أن يتخذ من ولد سبحانه } أي: هو منزه في ذاته عن الأهل والولد؛ لأنه لا يليق بذاته المعاونة والاستظهار بهما تعالى عن ذلك، بل من حكمه وشأنه أنه { إذا قضى } وأراد { أمرا } من الأمور الكائنة في عالم الأمر { فإنما يقول له } حين تعلق إرادته بتكوينه: { كن } بلا ترتيب في السمع بتقديم الكاف على النون.
إذ كلامه القائم بنفسه سبحانه نفسي ذاتي لا يتوهم فيه الحروف والأصوات ومقاطعها؛ ليتصور الترتيب بالتقدم والتأخر كما يتوهم في الألفاظ الصادرة عنا، بل يخلق سبحانه بقدرته الكاملة في لساننا لفظا معجزا لا من جنس ألفاظنا ليسع لنا التعبير عن كلامه وقت إرادة نفود قضائه، وهو لفظه: " كن " وعن حصول المقضي بلفظ: { فيكون } [مريم: 35] أيضا بلا تراخ وتعقيب يفهم من الفاء، ومن كان شأنه هذامن أين يكون له حاجة إلى الأهل والولد وإحبال المرأة ووقاعها؟! تعالى عما يقولون علوا كبيرا.
بل هو سبحانه واحد أحد فرد صمد لم يتخذ صاحبة ولا ولدا هذا؛ أي: من قوله: { ذلك عيسى ابن مريم } [مريم: 34] إلى هنا كلام وقع في البين.
ثم قال سبحانه حكاية عن عيسى، ومن جملة ما أوحى إليه: { و } بعدما بالغ عيسى في بيان طهارته وعصمة أمه، وتكلم في غير أوان التكلم بكلام عجيب غريب، علم بنور النبوة ونجابة الفطرة أن بعضهم قد يقولون في شأنه وشأن أمه ويتخذونه إلها، أورد كلاما نافيا لظنونهم وجهالاتهم دافعا لغلوهم واتخاذهم.
فقال: { إن الله } الذي أوجدني وأبدعني بلا أب هو { ربي } الذي رباني وأمي بأنواع الكرامة، وأظهرني من كتم العدم بمقتضى قدرته { و } هو سبحانه { ربكم } أيضا أوجدكم وأظهركم مثلي إيجادا إبداعيا { فاعبدوه } ووحدوه ولا تشركوا معه شيئا من المخلوقات، وتوجهوا نحوه بالتذلل التام والانكسار؛ إذ هو المستحق للعبادة لا معبود سواه، ولا إله إلا هو { هذا } الذي بينت لكم { صراط مستقيم } [مريم: 36] وطريق واضح سوي موصل إلى معرفة الحق وتوحيده، فاتبعوه إن كنتم مؤمنين موقنين بتوحيده.
وبعدما نبههم عيسى. صلوات الرحمن عليه. بالطريق الأبين الأوضح { فاختلف الأحزاب } أي: فرق النصارى واليهود في شأنه وشأنه أمه اختلافا ناشئا { من بينهم } بلا سيد شرعي وعقلي، فأفرط النصارى باتخاذه إلها وابنا له، وفرط اليهود بنسبته وأمه إلى ما لا يليق بشأنهما.
وبالجملة: فاستحق كلا الفريقين بأشد العذاب وأسوأ العقاب { فويل } عظيم وعذاب شديد أليم { للذين كفروا } أي: ستروا ما هو الحق في شأنه، وعدلوا عنه إلى الباطل بلا حجة وبرهان { من مشهد يوم عظيم } [مريم: 37] أي: من شهود يوم القيامة وظهوره، وهم يسحبون فيه على وجوههم نحو النار، ويكبون عليها صاغرين مضطرين.
अज्ञात पृष्ठ