275

[12.13-18]

ثم لما بغالوا وألحوا { قال } أبوهم: { إني } من شدة محبتي وشوقي إليه، وتحنني وعطفي نحوه { ليحزنني } مفارقته { أن تذهبوا به } مع ذلك { وأخاف أن يأكله الذئب } لأن ارضنا مذئبة { وأنتم } لشدة شغلكم على الرتع واللعب { عنه غافلون } [يوسف: 13] حينئذ، ذاهلون من حضانته وحفظه.

{ قالوا } على سبيل الاستبعاد والاستنكار مقسمين؛ تعزيرا عليه وتأكيدا لمكرهم وخداعهم: والله { لئن أكله الذئب ونحن عصبة } أي: جماعة أقوياء ذوو عة وعدة وقدرة وقوة { إنآ إذا لخاسرون } [يوسف: 14] ضعفاء ذليلون مغبونون، قالوا ذلك على سبيل التشدد وإظهار الجرأة والشجاعة، كأهم يستدلون على عدم وقوع المحذر به.

{ فلما } احتالوا وبالغوا في الحيلة والمكر إلى أن { ذهبوا به } أي: بيوسف إلى الصحراء، فاشتغلوا بضربه وشتمه والقهر عليه وأنواع العذاب والعقاب، وكادوا أن يقتلوه ظلما وزورا، قال لهم يهوذا: أنتم عهدتم ألا تقتلوه، فما هذه المبالغة ةالاشتداد، أما تستحيون من الله؟ { و } بعدما قال لهم يهوذا هذا { أجمعوا } واتفقوا { أن يجعلوه } ويطرحوه { في غيبت الجب } وهو جب معروف مشهور بجب يوسف، على ثلاثة أميال من صفد يعقوب، قريب من جسر يقال له: جسر يعقوب بفرسخ تقريبا، فقربوه على الجب وعزموا إلقاءه فيها، فتعلق وسف بشفير البئر، فربطوا يديه ونزعوا عنه قميصه؛ ليطلخوه بالدم لكذب، فألقوه مربوطة يديه على الماء وكان فيها صخرة عظيمة جلس عليها عريانا قلقا، حائرا، حزنا، مصطربا، مستوحشا { و } بعدما ألقوه وقضوا الطر أزلنا عنه وحشته وكربه بأن { أوحينآ } من مقام لطفنا وجودنا { إليه }: لا تغتم أيها الصديق من صنيع هؤلاء الغواة الهالكين في تيه الحسد والعناد، إنا بمقتضى كرمنا وأحساننا لنفضلك عليه ونمكنك على انتقامهم إلى حيث { لتنبئنهم } وتحدثنهم معاتبا عليه، منتقما منهم { بأمرهم هذا } معك وحيلتهم ومكرهم مع أبيك { وهم } في تلك الحالة { لا يشعرون } [يوسف: 15] أنك يوسف؛ لعلو شأنك وارتفاع قدرك وسلطانك، اصبر أيها الصديق على أذاهم في الحال، فإن لك السلطنة والسطوة عليهم في المآل.

{ و } بعدما فعلوا بيوسف ما فعلوا { جآءوا أباهم } ملتبسين محتالين { عشآء } في آخر اليوم { يبكون } [يوسف: 16] صاحئين، صارفين، فزعين؛ تغريرا على أبيهم.

فلما سمع يعقوب صياحهم اضطرب فقال: ما لكم؟ وأين يوسف؟ { قالوا يأبانآ إنا ذهبنا نستبق } أي: نتسابق بالعدو والرمي واستمر تسابقنا ومالنا { و } قد { تركنا يوسف عند متاعنا } لحفظها، فغفلنا عنه بغرور السباق { فأكله الذئب } وكنت نظرت من أول الأمر فوقع { و } نحن نعلم { مآ أنت } يا أبانا { بمؤمن } أي: مصدق { لنا ولو كنا صادقين } [يوسف: 17] فيما أخبرنا لك؛ لسوء ظنك بنا وفرط محبتك بيوسف.

{ و } بعدما تفرسوا منه الإنكار والاستبعاد { جآءوا على قميصه } معه { بدم كذب } يعني: جاءوا مثبتين لدعواهم بدم كذب ملطخ على قميصه، مفترين على الذئب بأنه أكله، وبعدما جاءوا بالقميص الملطخ، طلب منهم ابوهم، فألقاه على وجهه فبكى بكاء فظيعا فجيعا، وتمادى في البكاء زمانا طويلا حتى احمر وجهه من الدم الملطوخ به، ثم كشف القميص فرآه لم يمزق، فقال: ما رأيت ذئبا أحلم من هذا الذئب، أكل ابني ولم يمزق قيمصه! ثم { قال } متوجها إليهم: ما جئتم به معتذرين علي ليس بمطابق للواقع { بل سولت } سهلت ويسرت { لكم أنفسكم أمرا } بإلقاء الشيطان وتعيلمه إياكم لتعتذروا به علي { فصبر جميل } أجمل علي فيما ابتليت { والله المستعان على } احتال { ما تصفون } [يوسف: 18] بألسنتكم أيها المسرفون؛ إذ لا طاقة في تحمله إلا بعون الله وإقداره.

[12.19-22]

{ و } بعدما مضى ثلاثة أيام على الإلقاء { جاءت سيارة } رفقة وقفل عظيم يسيرون من مدين إلى مصر، فنزلوا قريب الجب { فأرسلوا واردهم } الذي كان يرد السماء للاستسقاء، وهو مالك بن ذعر الخزاعي { فأدلى دلوه } أي: ألقاها لإخراج الماء، فتدلى بها يوسف، فأخرجها فرآه { قال } مستبشرا فرحانا: { يبشرى } تعالى فهذا أوانك؛ إذ { هذا } الذي خرج بالدلوا بدل الماء { غلام } صبيح مليح في غاية الصباحة والملاحة { و } بعدما أخرجوه ومن معه من رفقائه { أسروه } وأخفوا أمره من البعض الآخر ليكون { بضاعة } لهم وقت وصولهم إلى مصر، ليشروه ويقسموا ثمنه { والله } المطلع لمخايل عباده { عليم بما يعملون } [يوسف: 19] أي: يقصدون عمله ويسرون في نفوسهم.

وبعدما اطلع أخوة وسف على قدوم السيارة ونزولهم على الجب تسارعوا نحوهم ليبيعوه لهم حتى يخلصوا منه بالكلية، فوصلوا الجب ولم يجدوه وبادروا إلى القفل فتجسسوه، فوجدوه عندهم، فقالوا لهم: هذا عبدنا قد أبق منا، إن اشتريتم نشرته على ما رضيتم، وأقر يوسف على الرقية ولم ينكر عليهم؛ خوفا من القتل { وشروه } بعدما اعترف بالرقية وباعوه { بثمن بخس } بمخوس منقوص { دراهم } لا دنانير { معدودة } أي: قليلة { و } إنما شروه بها؛ لأنهم { كانوا فيه من الزاهدين } [يوسف: 20] الراغبين المعرضين عنه، لذلئك باعوه بها.

अज्ञात पृष्ठ