232

{ أ } يصر المنافقون على النقاق والشقاق و { لم يأتهم نبأ } أي: خبر إهلاك القوم { الذين } مضوا { من قبلهم } كيف يهلكهم الله بظلمهم وذنوبهم مثل { قوم نوح } كيف استؤصلوا بالطوفان { وعاد } بالريح { وثمود } بالرجفة { وقوم إبرهيم } بالبعوض { وأصحب مدين } أي: قوم شعيب أهلكوا بالنار النازلة عليهم من السماء يوم الظلة { والمؤتفكت } قرى قوم لوط هلكوا بالزلزلة وإمطار الأحجار إلى حيث يجعل عاليها سافلها، كل من أولئك الهالكين { أتتهم رسلهم بالبينت } الواضحة الدالة على صدقهم ودعواهم فكذبوهم؛ عنادا ومكابرة، فلحقهم ما لحقهم بشؤم تكذيبهم { فما كان الله } المصلح لأحوال عباده { ليظلمهم } أي: لم تكن من سنته سبحانه الانحراف عن القسط إلى حيث يؤدي إلى الظلم؛ إذ هو سبحانه مستو على العدل القويم { ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } [التوبة: 70] بالخروج عن مقتضى العدل الإلهي الموضوع، فيهم من قبل الحق بنيابة رسله.

ثم لما ذكر سبحانه أحوال المنافقين والمنافقات، ومظاهرتهم ومعاونتهم عقب أحوالهم بأحوال المؤمنين جريا على السنة المستمرة، فقال: { والمؤمنون } الموقنون بتوحيد الله، المصدقون لرسله { والمؤمنات } الملحقات بهم، المتفرعات عليهم { بعضهم } في الأمور الدينية { أوليآء بعض يأمرون بالمعروف } بالمظاهرة والموالاة { وينهون عن المنكر } على مقتضى ما وصل إليه من رسلهم { ويقيمون الصلاة } المفروضة المصفية لبواطنهم على الميل إلى غير الحق { ويؤتون الزكاة } المطهرة لظواهرهم عن الاشتغال بما سواه سبحانه { و } بالجلمة: { يطيعون الله } في جميع حالاتهم إطاعة تفويض وتسليم { و } ينقادون { رسوله } في جميع ما جاء به ودعا إليه { أولئك } السعداء المفوضون أمورهم إلى الله، المنقادون لرسوله { سيرحمهم الله } الرقيب عليهم من فضله ولطفه { إن الله } المدبر لأمور عباده { عزيز } غالب قادر على جميع ما أراد بهم { حكيم } [التوبة: 71] متقن في جزائهم حسب أعمالهم واستعدادهم لذلك.

[9.72-74]

{ وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات } منتزهات من العلم والعين والحق { تجري من تحتها الأنهار } أي: أنهار المعارف والمكاشفات المتجددة حسب تجددات التجليات الإلهية { خالدين فيها } أبدا لا يتحولون عنها أصلا { ومساكن طيبة } أي: مقرا في مقام التوحيد، خاليا عن وصمة الكثرة، طاهرا عن لوث السوى والأغيار مطلقا { في جنات عدن و } بالجملة: { رضوان } وقبول { من الله } المستوي على العدل القويم، بحيث لا يسخط لهم أصلا؛ لتحققهم بمقام التخلق بأخلاقه سبحانه، بحيث لا يبقى لهم شائبة انحراف عن صراطه المستقيم الذي هو صراط الله الأقوم الأعدل { أكبر } من جميع ما ذكر من قبل من المدرجات العلية { ذلك } الرضا من الله، والقبول من جانبه { هو الفوز العظيم } [التوبة: 72] واللطف الجسيم لأرباب الولاء، الواصلين إلى مرتبة الفناء فيه سبحانه والبقاء ببقائه، لذلك وعدوا من عنده بما لا يمكن التعبير عن كنهه إلا كوشف به وشوهد.

{ يأيها النبي } الهادي لعباد الله إلى تلك المرتبة بإذن الله { جاهد الكفار } المتمردين على الإطاعة الانقياد لإرشادك وتكميلك { والمنافقين } الذين يحليون ويخدعون معك في إظهار الإيمان، وهم في سرهم وباطنهم على شركهم وكفرهم الأصلي متقررون ثابتون { و } بعدما أصروا على نفاقهم وشقاقهم { اغلظ عليهم } حسب إصرارهم وإعراضهم { و } لا تبال بهم؛ { مأواهم } ومنقلبهم { جهنم } العبد والخذلان في الدنيا والآخرة { وبئس المصير } [التوبة: 73] مصير أولئك المحرومين المطرودين عن ساحة عز القبول.

ومن جملة نفاقهم وكفرهم: إنهم { يحلفون بالله } كذبا ومينا، إنهم { ما قالوا } من الطعن في كتاب الله وتكذيب رسوله صلى الله عليه وسلم { و } الحال أنهم { لقد قالوا كلمة الكفر } أي: كلمة الطعن والتكذيب المستلزم للكفر، فحلفوا على عدم القول كذبا { و } هم في أنفسهم { كفروا } بالحق وأعرضوا عنه { بعد إسلامهم } أي: انقيادهم وتسليمهم؛ أي: اختاروا الكفر بعدما أظهروا الإسلام { و } لا يقتصرون على إظهار الكفر فقط، بل { هموا } وقصدوا { بما لم ينالوا } من قتبل الرسول صلى الله عليه وسلم والاقتحام عليه بغتة في الليل بلا علم من أصحابه، او هموا بإخراجه ومن معه من أصحابه من المدينة { وما نقموا } وقصدوا إهلاك رسول الله صلى الله عليه وسلم وإخراجه { إلا أن أغناهم الله } أي: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بفتح أبواب الرزق والمكاسب { ورسوله } بإعطاء الغنائم { من فضله } ففي مقام الشكر وإظهار المنة ينكرون له، ويكفرون نعمه وبعدما وقع ما وقع.

{ فإن يتوبوا } عما صدر عنهم توبة صادرة عن محض الندامة والإخلاص { يك خيرا لهم } عند الله، يغفر لهم ويعفوا عن زلتهم { وإن يتولوا } ويعرضوا عن التوبة، ويصروا على ما هم عليه من الكفر والنفاق { يعذبهم الله } المنتقم منهم { عذابا أليما } مؤلما فجيعا { في الدنيا و } بالقتل والسبي والإجلاء والإذلال، وأنواع العقوبات في { الآخرة } بأضعاف ما في الدنيا والآفها؛ لانحطاطهم عن المرتبة الإنسانية، وقبول التكاليفات الإلهية المقتضية لإظهار الحكمة والكرامة المودعة في هياكلهم { و } إن استظهروا واستنصروا من أوليائهم { ما لهم في الأرض } بعد انتشار دين الإسلام في أقطارها { من ولي } يعينهم ويولي أمورهم { ولا نصير } [التوبة: 74] ينصرهم من باس الله وعذابه.

[9.75-80]

{ ومنهم } أي: من المنافقين { من عاهد الله لئن آتانا من فضله } مالا، وأعطانا رزقا كثيرا { لنصدقن } منها للفقراء المستحقين { ولنكونن } بالبذل والإنفاق، أداء الشكر { من الصالحين } [التوبة: 75] الشاكرين المنفقين، طلبا لمراضاة الله.

{ فلمآ آتاهم } الله { من فضله } ما طلبوا منه { بخلوا به } ومنعوا حق الله منه { وتولوا } عن امتثال أمر الله وإطاعة رسوله { وهم } قوم { معرضون } [التوبة: 76] عادتهم الإعراض عن إطاعة الله ورسوله؛ لخبث طينتهم.

अज्ञात पृष्ठ