228

{ و } مع ذلك { سيحلفون بالله } معتذرين متمنين بلا موافقة قلوبهم بألسنتهم بعدما رجت من غزوة تبوك: { لو استطعنا } بالخروج استطاعة مالية أو بدنية { لخرجنا معكم } ألبتة، مع أنهم قادرون مستطيعون بكلتا الاستطاعتين، وهم لخبث باطنهم { يهلكون أنفسهم } بهذا الحلف الكاذب، ويعرضونها على عذاب الله { والله } والمطلع لمخايل هؤلاء المنافقين { يعلم } بعلمه الحضوري { إنهم لكاذبون } [التوبة: 42] في حلفهم وعذرهم هذا.

{ عفا الله عنك } ما جئت به من ترك الأولى { لم أذنت لهم } استأذنوك بالقعود؛ أي: هؤلاء المنافقين المتخلفين، المعتذرين بالأعذار الكاذبة { حتى يتبين } ويظهر { لك الذين صدقوا } في الاعتذار والاعتدال { وتعلم الكاذبين } [التوبة: 43] فيها على مقتضى نفاقهم الكامنة في نفوسهم.

[9.44-46]

{ لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر } أي: ليس من عادة المؤمنين الاستئذان منك إلى الخروج نحو القتال مطلقا، بل هم منتظرون دائما، متهيئون دائما أسبابهم، مترصدون إلى { أن يجاهدوا } في سبيل الله { بأموالهم وأنفسهم } وينتهزون الفرصة بالمسابقة حين أمروا، فيكف أن يتأذنوا بالقعود وعدم الخروج، والمعذرون متألمون متحسرون بكون في زاوية الحرمان، محزنون ملهوفون متأسفون؛ لذلك وعد لهم سبحانه من فضله درجة عظيمة { والله } المطلع لضمائر عباده { عليم بالمتقين } [التوبة: 44] الذين يحفظون نفوسهم من مخالفة أمر الله وأمر رسوله بلا عذر شرعي.

بل: { إنما يستأذنك } بالقعود والتخلف { الذين لا يؤمنون بالله } وتوحيده { واليوم الآخر } المعد لجزاء الأعمال { وارتابت قلوبهم } لعدم اطمئنانها ورسوخها بالإيمان والتوحيد { فهم في ريبهم } المركوز في جبلتهم { يترددون } [التوبة: 45] يتحيرون؛ ويتذبذبون لا إلى هؤلاء وإلى هؤلاء.

{ ولو أرادوا الخروج } وقصدوا الوفاق مع المؤمنين كما أظهروا { لأعدوا } وهيأوا { له عدة } أهبة وأسبابا { ولكن } لخبث باطنهم وانهماكهم في الضلال { كره الله } المطلع على قساوة قلوبهم { انبعاثهم } أي: اهتزازهم وتحركهم نحو القتال { فثبطهم } لذلك وحبسهم، وأقعدهم في مكانهم بإلقاء الرعب والكسل في قلوبهم { و } كأنه { قيل } لإسماعهم تضليلا لهم وتغريرا: { اقعدوا } أيها المنهمكون في الغفلة { مع القاعدين } [التوبة: 46] من النساء والصبيان، والمرضى والزمناء.

[9.47-49]

وإنما ثبتطهم سبحانه وكره نهوضهم، لأنه سحبانه علم منهم أنهم { لو خرجوا } معكم، وكانوا { فيكم ما زادوكم إلا خبالا } فسادا بالغيبة والنميمة، وإيقاع الفتنة بينكم { ولأوضعوا } أي: أسرعوا وأدخلوا ركائبهم { خلالكم } ليتخللوا فيكم وليفرقوا جمعكم؛ حتى يشتغلوا بالنميمة، وإذ ازدحم العدو هزموكم بتفريق جمعكم وتشتيت شملكم، وبالجملة: إنما { يبغونكم الفتنة } أي: يطلبون إيقاع الفتنة بينكم بأي وجه كان { و } الحال أن { فيكم } وبينكم { سماعون لهم } أي: ضعفة يسمعون قولهم ويقبلون نصحهم، ويرغبون إليهم ويطيعون أمرهم { والله } المطلع لأحوال عباده { عليم بالظالمين } [التوبة: 47] الخارجين عن مقتضى أوامره سرا وعلانية.

{ لقد ابتغوا الفتنة } أي: ليس هذا أول ابتغائهم وإيقاعهم، بل أوقعوا الفتنة { من قبل } وأرجفوا بهلاكك، وشتتوا شمل أصحابك { وقلبوا لك الأمور حتى جآء الحق } أي: النصر والتأييد الثابت عنده، المقرر دونه سبحانه من نصر دينك وإعلائه، ونسخ الأديان كلها { وظهر أمر الله } وإعلاء كلمته { وهم كارهون } [التوبة: 48] من خبث باطنهم ظهور دينك وارتفاع شأنك، وسمو برهانك.

{ ومنهم } أي: من المستأذنين المتخلفين { من يقول } لك حين استأذنك بالعقود: { ائذن لي } إذ ليس لي قوة الخروج { ولا تفتني } أي: لا توقعني في الفتنة بالخروج؛ إذ إني أخاف على نفسي من الفتنة والعصيان لو خرجت، قل لهم يا أكمل الرسل توبيخا وتقريعا: { ألا في الفتنة سقطوا } أي: وقعوا في فتنة التخلف وظهور النفاق والشقاق باستذانهم وقولهم هذا { و } استحقوا العذاب والنكال { إن جهنم } البعد والخذلان { لمحيطة بالكافرين } [التوبة: 49] في الدنيا والآخرة، ومن شدة شكيمتهم وغيظ قلوبهم معك يا أكمل الرسل.

अज्ञात पृष्ठ