219

خاتمة السورة

عليك أيها المتوجه نحو الفناء، المهاجر عن ورطة الغفلة والغرور ، أن تقتفي في سلوكك هذا أثر أهل الهجرة والنصرة المرابطين قلوبهم لتوحيد الجق، الباذلين مهجهم في تقوية من ظهر عليه صلى الله عليه وسلم وترويج دينه سنته، المتخلقين بأخلاقه، المتعطشين بزلال مشربه المستظلين بظل روائه، المستمسكين بعروة ولايته، ولا يحصل لك هذا إلا بالركون والإعراض التام عن متقضيات القوى البشرية ولوازم الطبيعة مطلقا، كهؤلاء الكرام المنخلعين عن جميع ما يشوشهم من لوازم هوياتهم في معاشهم حتى عن الأهل والأوطان.

لذلك انكشف لهم من الحقائق والمعارف والمكاشفات والمشاهدات إلى حيث اضمحلت عن عيون بصائرهم ما سوى الحق مطلقا، وصاروا فانين في الله، متحققين بمقام

" وبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش... "

، ولك في عزيمتك هذا التشبث بكتاب الله الذي هو المرشد الحقيقي، وبأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وبكلمات المشايخ العظام - قدس الله أرواحهم - ولا سيما ذلك الاستمداد من قلوب البدلاء والوالهين، الحائرين بمطالعة وجه الله الكريم؛ إذ هم لاستغراقهم في بحر الشهود انخعلوا عن لوازم هوياتهم، وما لنا من حالاتهم إلا الحسرة والعبرة إن كنا من أهل الاعتبار والاستبصار.

ربنا اهدنا إليك بأي طريق شئت، إنك بفضلك وجودك تهدي من تشاء من عبادك وإنك على ما تشاء قدير.

[9 - سورة التوبة]

[9.1-3]

ثم لما كان المشركون المصرون على شركهم من أعدى الأعادي، وأشدهم غيظا مع الله ورسوله، وكان عهودهم ومواثيقهم غير معول عليها في علم الله، تبرأ سبحانه منهم وأمر رسوله أيضا بالتبري عنهم وعن عهودهم ومواثيقهم، فقال: { برآءة } المطلع على مخايل أهل الشرك أصالة { و } من { رسوله } لتنبذوا وتطرحوا عهودكم ومواثيقكم { إلى الذين عاهدتم من المشركين } أي: هذه براءة ونقض عهد وإسقاط ذمة، ورفع أمان كان بينكم أيها المؤمنون وبين المشركين، نزلت إليكم { من الله } [التوبة: 1].

وعليكم ألا تبادروا ولا تفاجئوا إلى المقاتلة بعد نبذ العهد، بل أمهلوهم وقولا لهم: { فسيحوا } أي: سيروا أيها المسرفون { في الأرض } أي: في أرضنا هذه آمنين بلا خوف { أربعة أشهر } قيل: هي عشرون من ذي الحجة وتمام المحرم والصفر، وربيع الأول وعشر من ربيع الآخر، واستعدوا في تلك المدة وهيئوا أسباب القتال فيها { واعلموا } أيها المصرون على الشرك يقينا، وإن زعمتم غلبتكم علينا بمظاهرة إخوانكم واستعانة قبائلكم وعشائركم { أنكم غير معجزي الله } أي: لستم غالبين على الله المتعزز برداء العظمة والكبرياء، المتفرد بالمجد والبهاء { و } اعلموا أيضا { أن الله } المنتقم من عصاة عباده { مخزي الكافرين } [التوبة: 2] أي: مهينهم ومذلهم وإن أمهلهم زمانا بطريق على تجبرهم وتكبرهم.

अज्ञात पृष्ठ