{ يسألونك } أي: أصحابك لك أيها الرسول، المبعوث على الخق العظيم { عن الأنفال } أي: قسمة الغنائم، عبر سبحانه عنها بالنفل، وهو في اللغة: عطية زائدة اشترطها الإمام لمن اقتحم على محل الخطر زيادة على سهمه؛ لأنها زائدة على سهام الغزاة المجاهدين، المقاتلين في سبيل الله؛ لإعلاء كلمة الحق طلبا لمرضاته، وما يترتب عليه من أموال الدنيا بمنزلة النفل والعطية الزائدة على سهامهم التي هي المثوبة العظمى والمرتبة العليا عند الله.
{ قل } لهم يا أكمل الرسل: { الأنفال } كلها { لله } ومن مال الله، وقسمتها مفوض إليه سبحانه { و } إلى { الرسول } المستخلف منه، النائب عنه بإذنه { فاتقوا الله } أيها المؤمنون عن مخالفة أمره وأمر رسوله { وأصلحوا ذات بينكم } أي: الحالة والعداوة التي وقعت بينكم بوسوسة الشيطان وإغوائه { وأطيعوا الله ورسوله } أي: انقادوا أمرهما ولا تتجاوزوا عن حكمهما { إن كنتم مؤمنين } [الأنفال: 1] موقنين بتوحيد الله وتصديق رسوله صلى الله عليه وسلم.
{ إنما المؤمنون } الكاملون في الإيمان، المتحققون بمرتبة اليقين والعرفان، المصدقون بالرسل المبين لهم طريق التوحيد، هم { الذين إذا ذكر الله } الواحد الأحد، المتفرد بالألوهية، المتوحد بالربوبية { وجلت } أي: خافت وترهبت، واضطربت { قلوبهم } من سطوة سلطنة عظمته وجلاله { وإذا تليت عليهم ءايته } الدالة على بسطته وكبريائه؛ النازلة على رسله وأنبيائه { زادتهم } تلك الآيات { إيمنا } وتصديقا وإذعانا، ويقينا وعيانا وعرفانا { و } هم من كمال يقينهم وعرفانهم { على ربهم } لا على غيره من الأسباب الناقصة { يتوكلون } [الأنفال: 2] أي: يتوصلون ويستعينون في جميع الأمور لتحققهم وتمكنهم ي مقام التوحيد المسقط للالتفات إلى غير الحق مطلقا.
{ الذين يقيمون الصلاة } أي: يديمون الميل إلى الله في جميع حالاتهم مراقبين لفيضه وجذب من جانبه { ومما رزقناهم } من كد يمينهم { ينفقون } [الأنفال: 3] في سبيله؛ طلبا لمراضاته.
{ أولئك } السعداء المقبولون عند الله { هم المؤمنون } المتحققون بمرتبة الإذعان والإيقان { حقا } ثابتا مستقرا بلا اضطراب وتزلزل { لهم درجات } عظيمة { عند ربهم } من درجات العلم والعين والحق { ومغفرة } ستر لأنانيتهم وتعيناتهم { ورزق كريم } [الأنفال: 4] معنوي بدلها، يرزقون بها فرحين عناية من الله؛ لأن من توجه نحو الحق، ومال إلى جانبه ميلا مسقطا للتوجه إلى الغير مطلقا، وخرج عن لوازم الإمكان إلى حيث ينفق ويبذل جميع ما نسب إليه من أموال الدنيا إعراضا عنها، مخرجا محبتها من قلبها أعطلى له سبحانه بدل إخلاصه من الرزق المعنوي ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر عى قلب بشر.
[8.5-8]
{ كمآ } أعطاك يا أكمل الرسل حين { أخرجك ربك من بيتك } حين أخبرك جبريل عليه السلام من إقبال عير مكة من قبل الشام، وفيها أبو سفيان ملتبسا { بالحق } المطابق للواقع { و } الحال { إن فريقا من المؤمنين لكارهون } [الأنفال: 5] خروجك.
ومن كمال كراهتهم { يجادلونك في الحق } الصريح الذي هو الجهاد، سيما { بعد ما تبين } وظهر لك بوحي الله إياك، ووعده النصر والظفر لك، وهم من غاية رعبهم حين خروجهم { كأنما يساقون إلى الموت } مثل البهائم إلى المسلخ { وهم } حينئذ { ينظرون } [الأنفال: 6] حيارى مرعوبين، ومع أ،هم كتب له الظفر والغنيم، والغلبة من عند ربهم.
" وذلك أن عير قريش أقبلت من الشام، وفيهم أبو سفيان مع أربعين من الفرسان ومعهم تجارة عظيمة، فأخبر جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبر به الرسول للمؤمنين فخرجوا مسرعين بلا عدة استقلالا لهم وميلا إلى أموالهم، فلما خرجوا من المدينة بلغ خبر خروجهم إلى العير فانصرفوا إلى الطريق، وأرسلوا خبرهم إلى مكة فاستغاثوا، فخرج أبو جهر مع جمع كثير فمضوا إلى بدر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي دفران، فنزل جبريل عليه السلام ثانيا يعده إحدى الطائفتين؛ أي: العدو و العير، فاستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، وإن كان رأيه إلى المقاتلة مع العدو.
فقال بعضهم: هلا ذكرت لنا القتال؛ حتى نتأهب له، إنا خرجنا للعير، فقال صلى الله عليه وسلم: " إن العير مضت على ساحل البحر، وهذا أبو جهل قد أقبل " ، فقالوا كارهين مرعوبين خائفين: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليك بالعير، ودع العدو فضغب صلى الله عليه وسلم، فقال المقداد بن عمرو: يا رسول الله امض بما أمرك الله، فإنا معك حيثما أحببت، لا نقول لك ما قال بنو إسرائيل لموسى: اذهب انت وربك فقالات، إنا هاهنا قاعدون، ولكن نقول: إذه بأنت وربك فقالا، إنا معمكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد - مدينة بأقضى الحبشة - مضينا معك لا تكاسل و مخالفة، فدعا صلى الله عليه وسلم خيرا.
अज्ञात पृष्ठ