191

من لم يجعل الله له نورا فما له من نور

[النور: 40].

ثم انصروا نحو الحق واشتغلوا بالمناجاة معه سبحانه، فقالوا متضرعين: { ربنآ } يا من ربانا بلطفك وكرمك إلى أن جعلتنا من زمرة شهدائك الذين بذلوا مهجهم في سبيلك طائعين راغبين { أفرغ } أفض واصبب { علينا صبرا } من عندك متواليا متتابعا حين اشتغل هذا الطاغي على قضاء ما هددنا به بحيث لا يغيب عنا شوقك، ولا يغلب على قلوبنا ألم ناسوتنا اصلآ { و } حين انقطعت أنفاسنا وخرجت أرواحنا { توفنا مسلمين } [الأعراف: 126] مستقرين على الرضا والتسليم، ثابتين على جادة التوحيد والعرفان بلا تزلزل وتمايل.

ثبت أقدامنا على دينك وتوحيدك يا خير الناصرين.

{ و } بعدما فعل فرعون بالسحرة أنار الله براهينهم ما هددهم به { قال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه } يعني: بني إسرائيل { ليفسدوا في الأرض } سيما بعدما انتشر في أقطار الأرض غلبتهما عليك، ويغيروا طباع الناس عنك، ويوقعوا الفتن بين رعايا بلادك { و } بالجملة: أدى أمرهم وإيقاعهم إلى أن { يذرك } أي: كل واحد منهم عبادتك { و } عبادة { آلهتك } التي وضعتها لعبادة عبادك من الأصنام والتماثيل لتتخذوها معبودات وتتوجهوا نحوها { قال } فرعون: لا ندعهم بعد اليوم على ما كانوا عليه من قبل، ولا نستأصلهم أيضا؛ لئلا ينسب الظلم والعجز إلينا، بل نستضعفهم على التدرج { سنقتل } بعد اليوم { أبنآءهم } أي: ذكور أولادهم؛ لئلا يتكثروا { ونستحيي نسآءهم } أي: إناث أولادهم حتى نتزوجهن وينزجروا بلحوق العار، وإذا مضى زمان على هذا انقرضوا واستؤصلوا، وكيف لا نفعل بهم ما نقول { وإنا فوقهم قاهرون } [الأعراف: 127] قادرين غالبون.

وبالجملة: لما فعلنا بهم من قبل فيما مضى، هكذا أيضا الآن حتى لا يتوهم أن موسى هو المولود الذي زعم الكهنة والمنجمون أن ذهاب ملكنا على يده.

ثم لما سمع بنو إسرائيل تهديد فرعون تفزعوا منه وتضجروا، وبثوا الشكوى إلى الله متضرعين { قال موسى لقومه } تسلية لهم وإزالة لضجرتهم: { استعينوا بالله } لدفع مضارهم { واصبروا } على أذاهم ولا تقنطوا من نصر الله وعونه واعلموا { إن الأرض لله } إيجادا وتملكا وتصرفا { يورثها من يشآء من عباده و } بالجملة { العاقبة } الحميدة { للمتقين } [الأعراف: 128] الذين يتقون عن محارم الله، ويصبرون على ما ج اءهم من القضاء.

{ قالوا } يعني: بنو إسرائيل: { أوذينا } من أجلك يا موسى { من قبل أن تأتينا } بالرسالة بقتل الأبناء واستحياء النساء { ومن بعد ما جئتنا } أيضا كذلك { قال } موسى: لا تيأسوا من نصرف الله وإنجاز وعده، بل { عسى ربكم أن يهلك عدوكم } أي: قرب أمر ربكم وإنجاز وعده بإهلاك عدوكم { و } بعد أهلاكهم { يستخلفكم في الأرض } التي هم فيها { فينظر كيف تعملون } [الأعراف: 129] هل تشكرون نعمه أم تكفرونها أو تعلمون من الصالحات أم تفسدون فيها مثلهم؟.

[7.130-133]

ثم أشار سبحانه إلى إهلاك عدوهم وإنجاز وعده على سبيل التدريج حيث قال: { ولقد أخذنآ آل فرعون بالسنين } أي: بعدما تعلق إرادتنا بأخذهم وإهلاكهم أخذناهم أولا بالقحط وقلة الأقوات والغلات { ونقص من الثمرات } التي يتفكهون بها { لعلهم يذكرون } [الأعراف: 130] أي: يتذكرون أيام الرخاء ويتضرعون نحونا لإعادتها ويصدقون نبينا الذي أرسلنا إلأيهم لدعوتهم إلى توحيدنا.

अज्ञात पृष्ठ