175

{ فلنقصن عليهم } جميع أحوالهم وأعمالهم التي صدرت عنهم على التفصيل { بعلم } لا يعزب عنه شيء من صنائعهم { و } كيف يخرج عن حيطة علمنا بشيء من أعمالهم؛ إذ { ما كنا غآئبين } [الأعراف: 7] عنهم بل حاضرين معهم شاهدين بجميع أحولهم.

{ والوزن } الموضوع لانتقاد أعمال العباد { يومئذ } أي: وقت كشف السرائر وانكشاف الحجب { الحق } أي: الثابت المحقق؛ لئلا يبقى للعصاة مجادلة مع الله { فمن ثقلت موازينه } بكثرة الطاعات ووفور الخيرات والمبرات { فأولئك } السعداء المبرورون { هم المفلحون } [الأعراف: 8] الفائزون بالمثوبة العظمى والمرتبة العليا.

{ ومن خفت موازينه } بقلة الطاة وكثرة المعاصي { فأولئك } الأشقياء المردودون هم { الذين خسروا أنفسهم } وما ربحوا لها في دار الابتلاء { بما كانوا } أي: بسبب ما كانوا { بآياتنا } الدالة على توحيدنا { يظلمون } [الأعراف: 9] يكذبونها ظلما وعداونا.

{ و } من غاية جودنا ولطفنا إياكم يا بني إدم إنا { لقد مكناكم في } مستقر { الأرض وجعلنا لكم فيها معايش } من الملائمات كي يعيشوا بها مترفهين متنعمين شاكرين لنعمنا، صارفين إلى ما خلقناها لأجله، ومع ذلك الفضل العظيم واللطف الجسيم { قليلا ما } أي: في غاية القلة منكم { تشكرون } [الأعراف: 10] نعمنا بل تكفرونها وتصرفونها أكثركم إلى مقتضى أهويتكم الفاسدة.

[7.11-18]

{ و } من عموم وجودنا أيضا أنا { لقد خلقناكم } أي: قدرنا تعيناتكم وأظهرنا هوياتكم من كتم العدم { ثم صورناكم } أي: زيناكم بصورنا وخلقناكم بأخلاقنا { ثم قلنا للملائكة } المهيمين المستغرقين بمطالعة جمالنا: { اسجدوا } تذللوا، تواضعوا { لأدم } المصور على صورتنا تعظيما لنا وتكريما له؛ إذ هو مرآة مجلوة تحاكي جميع أوصافنا وأسمائنا، وترشدكم إلى وحدة ذاتنا، وبعدما شهدوا آثار جميع أوصافنا وأسمائنا منه { فسجدوا } جميعا متذللين { إلا إبليس } الذي هو رأس جواسيس النفوس الخبيثة { لم يكن من الساجدين } [الأعراف: 11] مع كونه من زمرتهم حين أرموا، ثم لما امتنع إبليس عن السجود.

{ قال } سبحانه إظهارا لما تحقق في علمه وكمن في غيبه من خبث طينة إبليس: { ما منعك } يا أبليس { ألا تسجد } لخليفتي { إذ أمرتك } مع رفقائك؟ { قال } إبليس في الجواب بمقتضى هويته الباطلة وأهويته الفاسدة: { أنا خير منه } وأفضل { خلقتني من نار } منير { وخلقته من طين } [الأعراف: 12] مظلم كدر، ولا يحسن تذلل الفاضل للمفضول.

لما امتنع عن مقتضى الأمر الوجوبي، ولم يتفطن بسره الذي هو التوحيد الذاتي؛ إذ الأمر سجود المظهر الجامع والظل الكامل، أمر بالتوجه نحو الذات الأحدية والمعبود الحقيقي المتجلي عليه، طرده سبحانه عن ساحة عز حضوره حيث { قال } مبعدا: { فاهبط } أيها المطرود الملعون { منها } أي: من ساحة عز التوحيد المقتضية للتذلل التشخع، ورفض الالفتات إلى الغير والسوى مطلقا { فما يكون } يجوز ويصح { لك أن تتكبر فيها } بادعاء التفضل والتفوق المتقضي للإضافات الناشئة من أنانيتك الباطلة { فاخرج } منها مطرودا مخذولا { إنك } حيث كنتن وأين كنت { من الصاغرين } [الأعراف: 13] الذليلين المحرومين، بل أنت سبب صغار سائر الأذلاء.

ثم لما آيس إبليس عن القوبل وحرم عن ساحة عز الحضور بسبب إبائه عن سجوده آدم، { قال } منتقما من آدم متضرعا إلى ربه: { أنظرني } أي: أمهلني يا ربي فيما بينهم لأضلهم وأغويهم { إلى يوم يبعثون } [الأعراف: 14].

{ قال } سبحانه إظهارا للسر الذي أسلفناه في سورة البقرة: { إنك من المنظرين } [الأعراف: 15] فيما بينهم ليتميز المحق منهم من المبطل والمهدي من الغوي.

अज्ञात पृष्ठ