{ ذلك } أي: سبب تقرب هؤلاء الكرام { هدى الله } أي: هدايته وعنايته تفضلا عليهم وامتنانا { يهدي به من يشآء من عباده } إرادة واختيارا { ولو أشركوا } بالله، هؤلاء المهديون بأن أثبتوا الوجود لغيره { لحبط } واضمحل وضاع { عنهم } ثواب { ما كانوا يعملون } [الأنعام: 88] من الخيرات والمبرات، وكانوا في حبوط الأعمال كسائر المشركين، نعتصم بك من إنزال قهرك يا ذا القوة المتين.
{ أولئك } السعداء الأمناء { الذين آتيناهم الكتاب } الجامع المبين لهم طريق تهذيب الظاهر والباطن { والحكم } الفارق بين الحق والباطل في والوقائع على مقتضى الحكمة الإلهية { والنبوة } والرسالة المقتضية لأهداء التائهين في بيدان الغفلة والضلال إل طريق التوحيد { فإن يكفر بها هؤلاء } المضلون من طريق الحق يعني قريشا { فقد وكلنا بها } وبمراعاتها { قوما ليسوا بها بكافرين } [الأنعام: 89] من أهل العناية والتوفيق.
{ أولئك } المذكورون من الأنبياء هم { الذين هدى الله } إياهم إلى توحيده تفضلا عليهم { فبهداهم اقتده } إذ مقصد أهل التوحيد واحد، وإن كانت الطريق مختلفة متفاوتة { قل } يا أكمل الرسل لمن بعثت إليهم كلاما صادرا عن محض الحكمة إشفاقا لهم: { لا أسألكم } ولا أطمع منكم { عليه } أي: على تبيين طريق التوحيد وتبليغ أمر الحق ونواهيه { أجرا } جعلا { إن هو } أي: ما الغرض من التبيين والتبليغ { إلا ذكرى } وموعظة { للعالمين } [الأنعام: 90] كي ينتبهوا على مبدئهم ومعادهم وما جبلوا أو خلقوا لأجله.
[6.91-92]
{ و } القوم الذين أنكروا بعثتك وكذبوا موعظتك { ما قدروا الله حق قدره } أي: ما عرفوا ظهوره في الآفاق واستقلاقه بالتصرف فيها { إذ قالوا مآ أنزل الله على بشر من شيء قل } لهم تبكيتا وإلزاما: { من أنزل الكتب } أي: التوراة { الذي جآء به موسى } من عند ربه وكان { نورا وهدى للناس } يستنيرون ويستكشفون منه، ويهتدون به إلى توحيد الله مع أنكم { تجعلونه قراطيس } وكانت ألواحا { تبدونها } أي: تظهرون منها ما يصلح لكم ويعين على مدعاكم { وتخفون كثيرا } مما لايصلحكم عنادا ومكابرة { و } كيف تنكرون إنزاله؛ إذ { علمتم } منه { ما لم تعلموا أنتم ولا ءابآؤكم } من الأمور المتعلقة بالظاهر وبالباطن { قل } يا أكمل الرسل في الجواب بعدما بهتوا: { الله } إذ هو المتعين للجواب ولا شيء غيره { ثم ذرهم في خوضهم } أباطيلهم وأراجيفهم { يلعبون } [الأنعام: 91] يترددون فلا عليك بعد التبليغ والتكبيت.
ثم قال سبحانه: { وهذا كتب } جامع لما في الكتب السالفة على أبلغ وجه وآكده مع زيادات شريفة { أنزلنه } إليك يا أكمل الرسل { مبارك } كثير الخير والبركة لك ولمن تبعك { مصدق } للكتاب { الذي } أحكامه { بين يديه } أي: التوراة والإنجيل وجميع الكتف النازلة من عند الله، وإنما أنزلناه { ولتنذر } به { أم القرى } أي: أهل مكة { ومن حولها } أي: جميع أقطار الأرض؛ إذ دحيت الأرض من تحتها على ما قيل لذلك صار قبلة لجميع أهل الأرض، وفرض حجها وطوافها { والذين يؤمنون بالأخرة } من أهل الكتاب { يؤمنون به } أي: بالقرآن { و } سبب إيمانهم أنه { هم على صلاتهم يحافظون } [الأنعام: 92] أي: يراقبون ويداومون على الميل والتوجه نحو الحق بجميع شؤونه وتجلياته، ومن جملتها بل من أجلها: إنزال القرآن البالغ على درجات اليقين في تبيين أحوال النشأة الأولى والأخرى، إذ هو منتخب منهما على وجه يعجز عنه أرباب اللسن من البشر، ومن له أدنى مسكنة من ذوي العقول لا بد أن يؤمن به وبإعجازه إلا من أضله الله وختم على قلبه.
[6.93-94]
{ ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا } بأن قال: بعثني الله نبيا كمسيلمة والأسود العنسي { أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء } كعبدالله بن أبي سرح { ومن قال } من كفار قريش: { سأنزل مثل مآ أنزل الله } ولو نشاء لقلنا مثل هذا { ولو ترى } أيها الرائي { إذ الظالمون } المفترون على الله المكذبون لكتبه ورسله { في غمرات الموت } وسكراته وأهواله { والملائكة } قائمون عليهم { باسطوا أيديهم } كالمتقاضي قائلين لهم: { أخرجوا أنفسكم } أيها المفترون الكاذبون بأيديكم حتى تخلصوا عن أيدينا واعلموا أن { اليوم تجزون عذاب الهون } المشتمل على الهوان والمذلة { بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون } [الأنعام: 93] عتوا وعنادا.
{ و } الآن { لقد جئتمونا فردى } عارين منفردين عما استكبرتم به من المال والجاه والرئاسة { كما خلقنكم أول مرة } عارية عن جميعها { وتركتم ما خولنكم } ابتليناكم به في النشأة الأولى؛ ليكون سبب خيلائكم وبطركم { وراء ظهوركم و } أيضا { ما نرى معكم شفعآءكم } معبوداتكم { الذين زعمتم أنهم فيكم } أي: في إيجادكم وإظهاركم { شركآء } من الآن { لقد تقطع } وانفصل { بينكم } وبينهم { وضل } أيك غاب وتخفى { عنكم ما كنتم تزعمون } [الأنعام: 94] أنها شفعاؤكم ينقذكم من عذاب الله.
[6.95-98]
अज्ञात पृष्ठ