ثم قال سبحانه: { من يطع الرسول } ويؤمن به ويصدقه بما جاء من عند ربه { فقد أطاع الله } لأنه المظهر الجامع لجميع أوصافه وأسمائه، وللمظهر حكم الظاهر فيه { ومن تولى } أعرض عن إطاعتك أعرض عنهم، ولا تلتفت نحوهم { فمآ أرسلناك عليهم حفيظا } [النساء: 80] تحفظهم عما يشينهم، بل مبلغا داعيا لهم إلى طريق الحق وصراط مستقيم.
{ و } ممن يحوم حولك من المنافقين قوم إذا أمرتهم بامتثال أمر الله { يقولون } في جوابك: { طاعة } أي: منا امتثال وإطاعة لما أمرت { فإذا برزوا } خرجوا { من عندك بيت طآئفة منهم } زورت وافترت ولبست { غير الذي تقول } تلك الطائفة لك، وقلت لها { والله } المجازي لهم والمحاسب أعمالهم { يكتب } في صحائفهم، ويجازي عليهم بها { ما يبيتون } ويزورون { فأعرض عنهم } ولا تبال بإطاعتهم وقبولهم { وتوكل على الله } في جميع الأمور، واتخذه وليا ونصيرا { وكفى بالله وكيلا } [النساء: 81] يكفيك مؤونة ضررهم وشرورهم، وينتقم لك عنهم.
ومن جملة نفاقهم وشقاقهم أنهم يطعنون في القرآن بأنواع المطاعن، تارة ينسبونه إلى غير الله وتارة يكذبونه، وتارة يقولون: هو من أساطير الأولين، أيترددون في أمره ويطعنون في شأنه؟.
{ أفلا يتدبرون } ويتأملون { القرآن } لفظا ومعى، ظهرا وبطنا، دلالة وحكما، اقتضاء ونصا إشارة وإيماء، تلويحا ورمزا، حتى يتفطنوا أنه ما هو من كلام البشر { ولو كان من عند غير الله } أي: من جنس كلام البشر { لوجدوا فيه } البتة { اختلافا كثيرا } [النساء: 82] حسب تفاوت درجات أشخاص البشر.
[4.83-85]
{ و } من ضعفه المسلمين قوم { إذا جآءهم أمر من } موجبات { الأمن أو الخوف أذاعوا به } أي: فشوه ونشروه سواء كان واقعا أما أراجيف، ولحق للمسلمين بسبب تلك الإذاعة والأشاعة ما لايليق بهم { ولو } أنهم حين سمعوا الخبر { ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر } أصحاب الرأي والتدبير { منهم } ليتأملوا فيه ويتبصروا { لعلمه } واستخرجه البتة المجتهدون { الذين يستنبطونه } وأمثاله { منهم } وجها موجبا للإفشاء أو الإسرار، ولا تغتروا أيها المؤمنون بعقولكم، ولا تستبدوا برأيكم { و } اعلموا أنه { لولا فضل الله عليكم } بإرسال الرسول فيكم، وإنزال الكتب علكيم { ورحمته } الشاملة بكم بتوفيقكم على الإيمان، ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم { لاتبعتم } بأجمعكم { الشيطان } المضل عن طريق الحق { إلا قليلا } [النساء: 83] منكم، وهم الذين استثناهم الله سبحانه في سابق عمله تفضلا عليهم وامتنانا، وإن انصرفوا عنك بالمرة وانتشروا من حولك.
{ فقاتل } بنفسك يا أكمل الرسل { في سبيل الله } إذ { لا تكلف إلا نفسك } ولا تحمل أعباء الرسالة إلا عليك، فعليك أن تشعر ذيلك لأمر الجهاد، لا تبال بإعانتهم وانتصارهم، ولا بتقاعدهم وانتشارهم، فإن الله ناصرك ومعينك لا الجنود { وحرض المؤمنين } أي: رغبهم على القتال؛ إذ ما عليك في شأنهم إلا الترغيب والتبليغ سواء قبلوا أو لم يقبلوا، ولا تخف من كثرة المشركين وعظم شركهم { عسى الله أن يكف } أي: يمحو عن قبلك { بأس الذين كفروا } يعني: قريشا { والله } المنتقم المقتدر بالقوة التامة الكاملة { أشد بأسا } مهابة { وأشد تنكيلا } [النساء: 84] تعذيبا من هؤلاء الغواة الطغاة، يكفيك مؤونة شرورهم عن قريب، وقد كفاه بأن ألقى في قلوبهم الرعب، فرجعوا خائبين خاسرين.
{ من يشفع شفعة حسنة } يراعي بها حق الله وحقوق عباده، ويرغبهم بها على الخير، ويبعدهم عن الشر، خالصا لرضا الله بلا تغرير لنفسه وجلب نفع لها، أو دفع ضر عنها { يكن له نصيب منها } من ثواب الشفاعة التي تسبب لها، والدعاء الخير للأخ المسلم من هذا القبيل، قال عليه السلام:
" من دعا لأخيه المسلم بظهر الغيب استجيب له، وقال الملك: ولك مثل ذلك "
{ ومن يشفع شفعة سيئة } يحمل بها إلى ارتكاب محرم، أو يوقعهم في فتنة وبلية { يكن له } أيضا { كفل } نصيب { منها } من أوزارها وآثامها المترتبة عليها مثل فاعلها بل أزيد { وكان الله } المجازي لعباه { على كل شيء } من الحسنة والسيئة { مقيتا } [النساء: 85] مقتدرا على جزاء كل منهما فضلا وعدلا.
अज्ञात पृष्ठ