منشورات مكتبة الهدى تفسير القمي لأبي الحسن علي بن إبراهيم القمي (رحمه الله) (من أعلام قرني 3 - 4 ه) صححه وعلق عليه وقدم له حجة الاسلام العلامة السيد طيب الموسوي الجزائري الجزء الأول حقوق الطبع محفوظه مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر قم - إيران تلفن 24568 PageV0MP001
مشخصات الكتاب الاسم: تفسير القمي المؤلف: لأبي الحسن علي بن إبراهيم القمي (ره) المصحح: السيد طيب الجزائري عدد الصفحة: 396 صفحة الناشر: مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر قم / إيران - تلفن 24568 الطبعة: الثالثة / شهر صفر عام 1404 القطع: وزيري PageV0MP002
هو من أقدم التفاسير التي كشفت القناع عن الآيات النازلة في أهل البيت عليهم السلام PageV0MP003
لا يسمح بطبع هذا الكتاب الشريف المزدان بهذه التصحيحات والحواشي إلا بإجازة من حضرة المحشي دام ظله.
النسخة الممتازة بدقة النظر في صحتها متنا وبإضافات مفيدة تعليقا فجاءت بحمد الله أحسنها ضورة وأكملها مادة ومتداركة لما فات من النسخ القديمة والحديثة - وذلك إجابة إلى رغبة الطالبين، وحفاظا لتراث الماضين والله الموفق وخير معين.
الرموز:
1 - " م " إشارة إلى نسخة مكتبة آية الله الحكيم 2 - " ك " إشارة إلى نسخة مكتبة آية الله كاشف الغطاء 3 - " ط " إشارة إلى نسخة مطبوعة في إيران سنة 1313 ه.
4 - " خ " أو " خ ل " إشارة إلى " نسخة بدل " 5 - ق: لقاموس اللغة 6 - " ج. ز " مخفف " الجزائري " المحشي. PageV0MP004
هذا ما سمح به سماحة العلامة المجاهد حجة الاسلام الشيخ آقا بزرك الطهراني دام ظله العالي، في هذا الكتاب.
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لوليه والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا أبي القاسم محمد نبيه وعلى الاثني عشر المعصومين أوصياء نبيه (وبعد) فقد عرض علي العالم الفاضل الكامل ثقة الاسلام السيد طيب الجزائري حفظه الله تعالى وزاد في توفيقاته بعض الملازم من كتاب (تفسير القمي) الذي قصد نشره ثالثا وطلب منى تقريظه والادلاء برأيي في الاعتماد إليه، ولقد سررت بنشره واعتذرت إليه من اطراء الكتاب وابداء رأيي لعجزي والضعف المستولي علي ورعشة اليد التي صارت العائق عن كثير الاعمال، إلا أنه رعاه الله لم يقنع بذلك وألح في الطلب فعز علي ان ألح في الامتناع فاكتفيت بهذا القدر الذي لم تسمح الحال بأكثر منه فعلى كل من يريد الاطلاع التام على مزايا الكتاب ان يرجع كتابنا (الذريعة إلى تصانيف الشيعة) ج 4 ص 302 ليجد تفصيل ما كتبناه وخلاصة ما عرفناه عن هذا الأثر النفيس والسفر الخالد المأثور عن الامامية الهمامين أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام من طريق أبي الجارود وأبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام PageV0MP005
من طريق علي بن إبراهيم القمي رضوان الله عليهم وأرجو للسيد حفظ الله تعالى ولأمثاله من أهل العلم النابهين مزيد التوفيق لنشر آثار الأئمة الأطهار عليهم السلام واحياء مآثر السلف الصالح، كتبه بأنامله المرتعشة في مكتبته العامة في النجف الأشرف في السبت غرة ربيع المولود (1387) الفاني آقا بزرك الطهراني عفي عنه PageV0MP006
المقدمة من حجة الاسلام العلامة السيد طيب الموسوي الجزائري دام ظله بسم الله الرحمن الرحيم نحمدك يا رب على ما منحتنا من قوة فكرية جوالة في الأذهان، وفتحت مغالقها بمفاتح القرآن الذي هو أكبر آياته وتبيان، وأحسن دليل وبرهان، ونصلي ونسلم على من أنزله عليه فجاء به أحسن الأديان، الذي ازدهر على الارجاء والأركان، واشتهر في الآفاق والأزمان، وعلى آله الذين جعل قولهم وفعلهم مفسر القرآن، فلولا هم لم يكن الفرقان بين ما شان وما زان، ولا بين الطاعة والعدوان، بهم عبد الرحمن ومنهم يئس الشيطان (اما بعد) فاني منذ اليوم الذي بدأت المطالعة في تفاسير القرآن التي وردت عن أهل بيت العصمة صلوات الله عليهم أجمعين، كنت معجبا بتفسير القمي ومشتاقا إليه لأجل الاسرار المودعة فيه واحتياج التفاسير الكثيرة إليه، وتقدم مؤلفه زمانا وشرفا، فكان ينمو هذا الشوق في بالي شيئا فشيئا إلى أن صادفت الكتاب في النجف فابتهجت لحسن الحظ والشرف، ولكن ما تم سروري به إذ أخذ مكانه اسف، لأني وجدت كثيرا من عبارات هذه النسخة ملحونة، وبالأغلاط والسقطات مشحونة، بحيث لم تخل الاستفادة منها من التعب، وكانت مع هذه الحالة أغلى من الذهب، فأشرت بعض من أثق به من الأحباب ان يدخر له الاجر بطبع هذا الكتاب ولما كان الرأي قريبا إلى الصواب قبله ولباني، ورحب بي على هذا وحياني، وكلفني بتصحيحه وان اكتب شيئا مقدمة للكتاب PageV0MP007
ليكون تبصرة لأولي الألباب فقبلت مسؤله متوكلا على الله ومستمدا به وهو حسبي واليه أنيب.
صاحب التفسير:
هو الثقة الجليل أبو الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم القمي، قال النجاشي (على ما حكاه صاحب التنقيح) " ثقة في الحديث، ثبت، معتمد، صحيح المذهب سمع فأكثر " ومثله في الخلاصة وعده في القسم الأول منها، وعنونه ابن داود في الباب الأول ووثقه في الوجيزة والبلغة، وعن إعلام الورى انه من اجل رواة أصحابنا، كان في عصر الإمام العسكري عليه السلام وعاش إلى سنة 307 - وقد أكثر ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله الرواية عنه في الكافي - ومما يدل على جلالته ان الأدعية والاعمال الشائعة في مسجد السهلة المتداولة المتلقاة بالقبول المذكورة في المزار الكبير وغيره مما ينتهي سندها إليه لا غير رضوان الله عليه - اما مؤلفاته غير هذا التفسير فهي - (1) كتاب الناسخ والمنسوخ (2) كتاب قرب الإسناد (3) كتاب الشرائع. (4) كتاب الحيض. (5) كتاب التوحيد والشرك. (6) كتاب فضائل أمير المؤمنين عليه السلام. (7) كتاب المغازي. (8) كتاب الأنبياء. (9) كتاب المشذر. (10) كتاب المناقب. (11) كتاب اختيار القرآن (1).
وأكثر ما يرويه علي بن إبراهيم فعن أبيه إبراهيم بن هاشم كما هو دأبه في هذا التفسير وغيره من كتبه فيجدر بنا الإشارة إلى ترجمته مختصرا.
ترجمة إبراهيم بن هاشم القمي:
لا يخفى على أرباب النهى ما ورد من الثناء على القميين وما هي مرتبتهم
PageV0MP008
باعتبار خدمتهم للدين المبين - فعن كتاب الغيبة للشيخ الطوسي (ره) ان الإمام الصادق الناطق بالحق يقول - قم بلدنا وبلد شيعتنا مطهرة مقدسة قبلت ولايتنا أهل البيت لا يريدهم أحد بسوء إلا عجلت عقوبته ما لم يخونوا اخوانهم فإذا فعلوا ذلك سلط الله عليهم جبابرة سوء، اما انهم أنصار قائمنا ورعاة حقنا، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال اللهم اعصمهم من كل فتنة ونجهم من هلكة (1).
ففضل أهل قم لا ينكر لأنه أبهر من الشمس واشهر من القمر وكيف لا يكون كذلك وقد خرج منها جهابذة العلوم الجعفرية وعباقرة البحور الباقرية كأبي جرير وزكريا بن إدريس وزكريا بن آدم وعيسى بن عبد الله إلا أن منهم من نال حظه أزيد وأكثر كإبراهيم بي على هذا فإنه شيخ القميين ووجههم، فضله على القميين باعتبار تقدمه في رواية الكوفيين، قد حكى الشيخ والنجاشي وغيرهما من الأصحاب انه أول من نشر أحاديث الكوفيين بقم - قال السيد الداماد في محكي الرواشح ان مدحهم إياه بأنه أول من نشر أحاديث الكوفيين بقم كلمة جامعة (وكل الصيد في جنب القرا) وقال أيضا الصحيح والصريح عندي ان الطريق من جهته صحيح فأمره اجل وحاله أعظم من أن يتعدل ويتوثق بمعدل وموثق غيره بل غيره يتعدل ويتوثق بتعديله وتوثيقه إياه، كيف وأعاظم أشياخنا الفخام كرئيس المحدثين والصدوق والمفيد وشيخ الطائفة ونظرائهم ومن في طبقتهم ودرجتهم ورتبتهم من الأقدمين والأحدثين شأنهم اجل وخطبهم أكبر من أن يظن بأحد منهم قد احتاج إلى تنصيص ناص وتوثيق موثق وهو شيخ الشيوخ وقطب الأشياخ ووتد الأوتاد وسند الاسناد فهو أحق وأجدر بان يستغنى عن ذلك (انتهى).
PageV0MP009
وقال في الفهرست " إبراهيم بن هاشم أبو إسحاق القمي أصله من الكوفة وانتقل إلى قم وأصحابنا يقولون إنه أول من نشر حديث الكوفيين بقم وذكروا انه لقي الرضا عليه السلام. والذي اعرف من كتبه كتاب النوادر وكتاب القضاء لأمير المؤمنين عليه السلام ".
وقال في التنقيح ما لفظه: انه شيخ من مشائخ الإجازة فقيه، محدث من أعيان الطائفة وكبرائهم وأعاظمهم وانه كثير الرواية سديد النقل قد روى عنه ثقات الأصحاب وأجلاؤهم وقد اعتنوا بحديثه وأكثر والنقل عنه كما لا يخفى على من راجع الكتب الأربعة للمشائخ الثلاثة رضي الله عنهم فإنها مشحونة بالنقل عنه أصولا وفروعا (انتهى).
ولاجل كونه راويا في أكثر رواياته عن محمد بن أبي عمير لا بأس في تحرير نبذة من ترجمته.
محمد بن أبي عمير:
قال في التنقيح محمد بن أبي عمير زياد بن عيسى الأزدي أبو أحمد الذي اجمع الأصحاب على تصحيح ما يصح عنه وعد مراسيله مسانيد، عاصر مولانا الكاظم والرضا والجواد عليهم السلام.
وقال النجاشي انه من موالي المهلب بن أبي صفرة وقيل مولى بني أمية والأول أصح، بغدادي الأصل والمقام لقي أبا الحسن موسى وسمع منه أحاديث كناه في بعضها فقال يا أبا محمد وروى عن الرضا عليه السلام، جليل القدر، عظيم المنزلة فينا وعند المخالفين، ذكره الجاحظ يحكي عنه في كتبه وقد ذكره في المفاخرة بين العدنانية والقحطانية وقال في البيان والتبيين حدثني إبراهيم بن داحية عن ابن أبي عمير وكان وجها من وجوه الرافضة وكان حبس في أيام الرشيد فقيل ليلي القضاء وقيل إنه ولى بعد ذلك وقيل ليدل مواضع الشيعة وأصحاب موسى بن PageV0MP010
جعفر عليه السلام، وروي انه ضرب أسواطا بلغت منه مائة فكاد ان يقر لعظيم الألم فسمع محمد بن يونس بن عبد الرحمن وهو يقول اتق الله يا محمد بن أبي عمير ففرج الله عنه، وروي انه حبسه المأمون حتى ولاه قضاء بعض البلاد (انتهى).
وعن الفهرست - محمد بن أبي عمير يكنى أبا محمد من مولى الأزد واسم أبى عمير زياد رحمه الله، وكان من أوثق الناس عند الخاصة والعامة وأنسكهم نسكا وأعبدهم وأورعهم وقد ذكره الجاحظ في كتابه في فخر قحطان على عدنان بهذه الصفة التي وصفناه وذكر انه كان أوحد أهل زمانه في الأشياء كلها أدرك من الأئمة عليهم السلام ثلاثة أبا إبراهيم موسى بن جعفر عليه السلام ولم يرو عنه، وروى عن أبي الحسن الرضا والجواد عليهما السلام، وروى عنه أحمد بن محمد عيسى انه كتب مائة رجل من رجال أبي عبد الله الصادق عليه السلام وله مصنفات كثيرة ذكر ابن بطة ان له أربعة وتسعين كتابا (انتهى) وعن الكشي في عنوان تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسن الرضا عليهما السلام: اجتمع أصحابنا على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم وأقروا لهم بالفقه والعلم وهم ستة نفر آخر دون الستة النفر الذين ذكرناهم في أصحاب أبي عبد الله عليه السلام منهم يونس بن عبد الرحمن وصفوان بن يحيى بياع السابري ومحمد بن أبي عمير وعبد الله بن المغيرة والحسن بن المحبوب وأحمد بن محمد أبى نصر.
وكان من خصائص ابن أبي عمير انه لم يرو عن العامة ابدا مع رواياتهم عنه فلذا كانت مروياته خالصة محصنة غير مشوبة برواياتهم كما يظهر من سؤال شاذان بن الخليل النيسابوري إياه فقال له انك قد لقيت مشائخ العامة فكيف لم تسمع منهم؟ فقال قد سمعت منهم غير انى رأيت كثيرا من أصحابنا قد سمعوا علم العامة وعلم الخاصة فاختلط عليهم حتى كانوا يروون حديث العامة عن الخاصة PageV0MP011
وحديث الخاصة عن العامة فكرهت ان يختلط علي فتركت ذلك وأقبلت على هذا (1).
عبادته:
(قال الفضل بن شاذان) دخلت العراق فرأيت واحدا يعاتب صاحبه ويقول له أنت رجل عليك عيال وتحتاج ان تكسب عليهم وما آمن من أن تذهب عيناك لطول سجودك (قال) فلما أكثر عليه قال أكثرت علي ويحك لو ذهبت عين أحد من السجود لذهبت عين ابن أبي عمير ما ظنك برجل سجد سجدة الشكر بعد الصلاة الفجر فما يرفع رأسه إلا عند الزوال (وسمعته يقول) اخذ يوما شيخي بيدي وذهب بي إلى ابن أبي عمير فصعدنا إليه في غرفة وحوله مشائخ له يعظمونه ويبجلونه فقلت لأبي من هذا؟ فقال هذا ابن أبي عمير قلت الرجل الصالح العابد؟ قال: نعم (2).
سخاؤه:
اما سخاؤه فقد بلغ إلى مرتبة لم يكن في ذلك العصر من يفضل عليه في هذه المنقبة العليا غير مواليه الكرام عليهم السلام الذين اقتدى بقدوتهم واقتبس من جذوتهم فإنه يذكر في جوده وكرمه وايثاره على نفسه ما يجمد في قباله بحر متلاطم وينسى دونه جود حاتم.
روى الشيخ والصدوق رضوان الله عليهما ان محمد بن أبي عمير كان رجلا بزازا فذهب ماله وافتقر وكان له على رجل عشرة آلاف درهم فباع دارا له كان يسكنها بشعرة آلاف درهم وحمل المال إلى بابه فخرج إليه محمد بن أبي عمير فقال ما هذا؟ قال هذا مالك الذي علي، قال ورثته؟ قال لا، قال وهب
PageV0MP012
لك؟ قال لا بل هو من ثمن ضيعة بعتها، قال ما هو؟ فقال بعت داري التي اسكنها لأقضي ديني فقال محمد بن أبي عمير حدثني ذريح المحاربي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا يخرج الرجل من مسقط رأسه بالدين) ارفعها فلا حاجة لي فيها وانى والله لمحتاج في وقتي هذا إلى درهم ولا يدخل في ملكي من هذا درهم واحد (1).
جهاده:
اما جهاده في سبيل الحق واحتمال الشدائد له فهو حسب ما روي عن الكشي أنه قال وجدت بخط أبى عبد الله الشاذاني سمعت أبا محمد الفضل بن شاذان يقول سعي بمحمد بن أبي عمير (واسم أبي عمير زياد) إلى السلطان انه يعرف أسامي الشيعة بالعراق فأمره السلطان ان يسميهم فامتنع فجرد وعلق بين القفازين فضرب مائة سوط (قال الفضل سمعت ابن أبي عمير) لما ضربت فبلغ الضرب مائة سوط أبلغ الضرب الألم إلي فكدت ان اسمي فسمعت نداء محمد بن يونس يقول يا محمد بن أبي عمير اذكر موقفك بين يدي الله تعالى فتقويت بقوله وصبرت ولم اخبر والحمد لله (2).
وروي انه تولى ضربه السندي بن شاهك امام هارون الرشيد فادى مائة وواحدا وعشرين ألف درهم حتى خلى عنه وكان رب خمسمائة ألف درهم (3).
ويظهر من سير التاريخ والحديث انه رحمه الله قاسى من الجهد والبلاء في عصري الهارون والمأمون فان المأمون حبسه في سجنه أربع سنين وكان ذلك بعد وفاة الرضا عليه السلام واختلفت الأقوال في ذهاب كتبه فقيل إن أخته دفنتها حال
PageV0MP013
استتاره في السجن خوفا عليه كما ذكره جدي الأمجد السيد الجزائري رحمه الله في شرحه على التهذيب (1) وقيل تركها في غرفة فسال عليها المطر فلما أطلق من حبسه حدثهم من حفظه وكان يحفظ ما يبلغ من أربعين جلدا فسماه نوادر فلذلك توجد أحاديثه منقطعة الأسانيد الا ان الأصحاب سكنوا إليها وعاملوها معاملة الصحاح ثقة به.
مؤلفاته:
انه صنف كتبا كثيرة ذكر ابن بطة ان له أربعة وتسعين كتابا منها كتاب النوادر، كتاب الاستطاعة والافعال والرد على أهل القدر والجبر، كتاب المبدأ، كتاب الإمامة، كتاب المتعة، كتاب المغازي، كتاب الكفر والايمان، كتاب البداء، كتاب الاحتجاج في الإمامة، كتاب الحج، كتاب فضائل الحج، كتاب الملاحم، كتاب يوم وليلة، كتاب الصلاة، كتاب مناسك الحج، كتاب الصيام، كتاب اختلاف الحديث، كتاب المعارف، كتاب التوحيد، كتاب النكاح، كتاب الرضاع.
توفي رحمه الله سنة 217 (2).
الثناء على التفسير:
لا ريب في أن هذا التفسير الذي بين أيدينا من أقدم التفاسير التي وصلت الينا ولولا هذا لما كان متنا متينا في هذا الفن ولما سكن إليه جهابذة الزمن، فكم من تفسير قيم مقتبس من اخباره ولم تره إلا منورا بأنواره كالصافي والمجمع والبرهان، إلا أن هذا الأصل لم يكن متيسرا في زماننا هذا لأنه لم يطبع منه في الأخير إلا نسختان، طبعتا في إيران إحديهما طبعت سنة 1313 وثانيتهما التي
PageV0MP014
عندي طبعت سنة 1315 مع تفسير الإمام العسكري على هامشه وكلتا النسختين مع كثرة الخطأ والاشتباهات فيهما كانتا نادرتين جدا حتى لم نجدهما في أكثر مكتبات النجف الأشرف حتى مكتبة أمير المؤمنين عليه السلام التي أسسها العلامة المجاهد الأميني مد ظله مع اتساعها وطول باعها في حيازة الكتب القيمة كانت فاقدة لها فاحتيج إلى طباعته لئلا يندرس هذا الأثر الأثري والتأليف الزهري فشمرت الباع لرفع القناع عن هذه المؤلفة المألوفة ليرى محياها كل من أحبها وحياها فإنها تحفة عصرية ونخبة أثرية لأنها مشتملة على خصائص شتى قلما تجدها في غيرها فمنها:
(1) ان هذا التفسير أصل أصول للتفاسير الكثيرة كما تقدم.
(2) ان رواياته مروية عن الصادقين عليهما السلام مع قلة الوسائط والاسناد ولهذا قال في الذريعة: انه في الحقيقة تفسير الصادقين عليهما السلام.
(3) مؤلفه كان في زمن الإمام العسكري عليه السلام.
(4) أبوه الذي روى هذه الأخبار لابنه كان صحابيا للإمام الرضا عليه السلام.
(5) ان فيه علما جما من فضائل أهل البيت عليهم السلام التي سعى أعداؤهم لاخراجها من القرآن الكريم.
(6) انه متكفل لبيان كثير من الآيات القرآنية التي لم يفهم مرادها تماما إلا بمعونة ارشاد أهل البيت عليهم السلام التالين للقرآن.
بقي شئ:
وهو ان الراوي الأول الذي املا عليه علي بن إبراهيم القمي هذا التفسير على ما يتضمنه بعض نسخ هذا التفسير (كما في نسختي) هو أبو الفضل العباس ابن محمد بن قاسم بن حمزه بن موسى بن جعفر عليه السلام، تلميذ علي بن إبراهيم، PageV0MP015
وهذا الشخص وان لم يوجد له ذكر في الأصول الرجالية كما ذكره صاحب الذريعة إلا أن ما يدل على علو شأنه وسمو مكانه كونه من أولاد الإمام موسى ابن جعفر عليه السلام ومنتهيا إليه بثلاث وسائط فقط، وقد ذكره غير واحد من كتب الأنساب كبحر الأنساب والمجدي وعمدة الطالب، ومما يرفع غبار الريب عن اعتبار الراوي ركون الأصحاب إلى هذا الكتاب وعملهم به بلا ارتياب فلو كان فيه ضعف لما ركنوا إليه، ولذا قال الحر العاملي رحمه الله في الوسائل، وهو من الذين اخذوا من هذا الكتاب ما لفظه.
" ولم اقتصر فيه على كتب الحديث الأربعة وان كانت اشهر مما سواها بين العلماء، لوجود كتب كثيرة معتمدة من مؤلفات الثقات الاجلاء، وكلها متواترة النسبة إلى مؤلفيها، لا يختلف العلماء، ولا يشك الفضلاء فيها " (الوسائل 1 / 5) وقد عرضت هذا الكتاب قبل نشره على الشيخ الكبير والمجاهد الشهير سماحة العلامة آقا بزرك الطهراني (صاحب الذريعة) دام ظله فأبدى سروره على طبعه ودعا لي على هذا المجهود وكتب التقريظ عليه مع ضعف حاله وارتعاش يده الشريفة، حيث عبر عن هذا الكتاب ب " الأثر النفيس والسفر الخالد المأثور عن الامامين عليهما السلام ".
ولا ريب في أنه عريف هذا الفن وغطريف من غطارفة الزمن فقليله في مقام الاطراء كثير.
وبالجملة انه تفسير رباني، وتنوير شعشعاني، عميق المعاني، قوي المباني عجيب في طوره، بعيد في غوره، لا يخرج مثله إلا من العالم عليه السلام ولا يعقله إلا العالمون، ولم آل جهدا في تصحيحه وتنظيفه من الأغلاط المشحونة فيه فاعتمدت في تصحيحه على اربع نسخ منه: PageV0MP016
(الأولى نسخة مطبوعة 1315 ه ج على هامشها تفسير الإمام العسكري عليه السلام، وهي التي كانت عندي.
(الثانية) نسخة مطبوعة 1313 ه ج وجعلت رمزها في هذا الكتاب (ط).
(الثالثة) نسخة خطية من مكتبة آية الله الحكيم مد ظله وجعلت رمزها (م).
(الرابعة) نسخة خطية نادرة من مكتبة الشيخ كاشف الغطاء طاب ثراه، وجعلت رمزها (ك) واسأل الله ان يوفقنا لذلك فان بلغت فيه مناي فهو شفائي، وان بقي شئ منها فاني معتذر إلى مولاي فإنه ذو الصفح الجسيم والمن القديم وما توفيقي إلا بالله العلي العظيم.
تنبيه يتعلق بهذا التفسير لابد لقارئ هذا التفسير من الالتفات إلى امر بدونه يصعب فهم المراد بل ربما ينفتح للعنود والمستضعف باب اللجاج والعناد، فيورد على هذا التفسير وما شاكله بان كثيرا من مطالبه بعيد عن ظاهر اللفظ وقريب إلى التأويلات التي يستنكف العقل منها - مثلا - اي ربط للآيات النازلة في أقوام بائدة كقوم عاد وثمود بأعداء أهل البيت عليهم السلام حيث فسرت بأنها نزلت فيهم ونحو ذلك.
وجوابه يتوقف على بيان أمور:
(الأول) انه قد ظهر من الأدلة الباهرة والاخبار المتضافرة من الفريقين ان ذوات محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين هي علة ايجاد هذا الكون كما يظهر من الحديث المعروف " لولاك لما خلقت الأفلاك " المشهور بين الفريقين وحديث " أول ما خلق الله نوري " المؤيد بقوله تعالى " قل إن كان للرحمن ولد فانا أول العابدين؟؟ " فهذه الآية تدل على أن محمدا صلى الله عليه وآله أول الكل وجودا PageV0MP017
وإن كان خاتم الرسل زمانا وعلي بن أبي طالب اما نفسه كما تدل على آية المباهلة أو قسيم نوره كما يدل عليه قوله صلى الله عليه وآله " انا وعلي من نور واحد " وأولاده المعصومون كلهم مظاهر جماله وكماله صلى الله عليه وآله كما قال صلى الله عليه وآله: فيهم " أولنا محمد وأوسطنا محمد وآخرنا محمد وكلنا محمد " وتدل على هذا المقصد روايات كثيرة من السنة من شاء فليراجع معارج النبوة ومدارج النبوة وينابيع المودة ونحو ذلك.
وكذا وردت روايات كثيرة معتبرة أيضا كحديث الكساء المتسالم عليه بين العلماء الأعلام والمعمول به بين الخواص والعوام وفيه: " وعزتي وجلالي اني ما خلقت سماءا مبنية ولا أرضا مدحية ولا قمرا منيرا ولا شمسا مضيئا.. إلا في محبة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء ".
وفي اكمال الدين والعيون والعلل عن الرضا عن آبائه عن علي عليهم السلام أنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما خلق الله خلقا أفضل مني ولا أكرم عليه مني، فقلت يا رسول الله فأنت أفضل أو جبرئيل؟ فقال يا علي ان الله فضل أنبيائه المرسلين على ملائكته المقربين وفضلني على جميع النبيين والمرسلين والفضل من بعدي لك يا علي وللأئمة من بعدك وان الملائكة لخدامنا وخدام محبينا، يا علي! الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا بولايتنا يا علي! لولا نحن ما خلق الله آدم ولا حواء ولا الجنة ولا النار ولا السماء ولا الأرض فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سبقناهم إلى معرفة ربنا وتسبيحه وتقديسه لان أول ما خلق الله خلق أرواحنا فانطقنا بتوحيده وبتمجيده ثم خلق الملائكة فلما شاهدوا أرواحنا نورا واحدا. استعظموا أمرنا فسبحنا لتعلم الملائكة، فسبحت الملائكة بتسبيحنا.
(الثاني) لما ثبت ان ذواتهم المقدسة هي أول الخلق وغرض الحق فبدليل العقل يجب على الله تعالى لطفا ان يعرفهم جميع خلقه ويعرض محبتهم على جميع PageV0MP018
عباده وإلا ليلزم الانفكاك بين الغاية والمغيى فهم غرض الخلق وغرض خلقهم ذات الحق وان شئت فقل ان الله لم يخلق الخلق، إلا للعبادة ولا يعبد إلا بعد المعرفة وهي إنما تحصل بقبول الايمان بالله كما هو، وهو موقوف على الاقرار بالرسول المخبر عن الله، وهو موقوف على الاقرار بالامام المخبر عن الرسول فعلى الله ان يرشد إليه ويدل عليه فلا بعد ان ينزل القرآن فيهم ولهم.
(الثالث) ان الله تعالى كان عالما باعمال أمة نبيه صلى الله عليه وآله بعد وفاته صلى الله عليه وآله بأنهم يلعبون بالدين ويهتكون بنواميس حماته في كل حين، كما ظهر من شنائع بني أمية وبني العباس وقد نبأ به النبي الصادق كما في صحيحي البخاري ومسلم فقال صلى الله عليه وآله: لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه، قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى؟
قال فمن؟ (1) وكما في الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام في قوله تعالى " لتركبن طبقا عن طبق " اي لتسلكن سبل من كان قبلكم من الأمم في الغدر بالأوصياء بعد الأنبياء، وفي هذا المعنى روايات كثيرة من الفريقين فحينئذ لم يؤمن منهم ان لا يبقوا أسامي الأئمة أو فضائلهم في القرآن فلذا لم يكن بد إلا يبينها الله تعالى بالكناية والاستعارة كما هو دأب القرآن وأسلوبه في أكثر آياته فان له ظاهرا يتعلق بشئ وباطنا بشئ آخر، روى العياشي وغيره عن جابر قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن شئ من تفسير القرآن فأجابني، ثم سألت ثانيا فأجابني بجواب آخر، فقلت جعلت فداك كنت أجبت في هذه المسألة بجواب غير هذا قبل اليوم! فقال لي يا جابر ان للقرآن بطنا وللبطن بطنا وظهرا وللظهر ظهرا، يا جابر وليس شئ أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن ان الآية لتكون أولها في
PageV0MP019
شئ وآخرها في شئ وهو كلا متصل ينصرف على وجوه ".
وعن الغزالي في احياء العلوم والحافظ أبي نعيم في حلية الأولياء عن ابن مسعود قال: ان القرآن نزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلا وله ظهر وبطن وان علي بن أبي طالب عنده منه علم الظاهر والباطن والمراد من بطن القرآن تأويله كما قال: ولا يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم.
ومثال ذلك آية الشجرة حيث قال: ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة - إلى قوله - مالها من قرار (1) فالمراد من " الشجرة الطيبة " شجرة محمد وآله صلوات الله عليهم والمراد من " الشجرة الخبيثة " و " الشجرة الملعونة " في سورة بني إسرائيل هم بنو أمية (2) فهذا تأويله فمن الذي له علم بهذا التأويل بمجرد اللفظ غير الذين انزل القرآن في بيتهم وهم أهل البيت سلام الله عليهم الملقبون في القرآن ب " الراسخون في العلم " مرة وب " الذين أوتوا العلم " مرة أخرى، فإنهم العرفاء بوجوه القرآن ومعانيه والعلماء بناسخه ومنسوخه، محكمه ومتشابهه، عامه وخاصه، مطلقه ومقيده، مجمله ومبينه، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت وعلى من نزلت، ان ربي وهب لي قلبا عقولا ولسانا ناطقا (3).
فانقدح من ذلك كله انه إذا ورد منهم معنى آية من الآيات القرآنية في مقام التأويل والتعبير عن بطن القرآن فلا مجال لانكاره أو استغرابه وإن كان خلافا للظاهر وهل هبط الروح الأمين بالقرآن إلا في بيتهم، وهل استنارت آياته إلا من زيتهم، فهم أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومهبط الوحي والتنزيل ومنبت
PageV0MP020
التفسير والتأويل كما قال أبو عبد الله الحسين عليه السلام قدام جمهور من الناس حين خروجه من المدينة " نحن أهل البيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة " (1) فالقرآن ظاهره أنيق وباطنه عميق وان ظاهره وإن كان مخصوصا بفرد خاص أو زمان خاص لكن باطنه ينطبق على كل من كان اهلا له إلى يوم القيامة ومن هنا قال أبو جعفر عليه السلام: ان القرآن نزل أثلاثا: ثلث فينا وفي أحبائنا وثلث في أعدائنا وعدو من كان قبلنا وثلث سنة ومثل، ولو أن الآية إذا نزلت في قوم ثم مات أولئك ماتت الآية لما بقي من القرآن شئ، ولكن القرآن يجرى على آخره ما دامت السماوات والأرض (2).
ومن هنا علم سر ذكر الأمم السابقة كآل فرعون ونمرود، وأمة موسى وهود، وقصص النصارى واليهود، وتكرير اعمالهم القبيحة وأطوارهم الشنيعة مع أن الله تعالى ستار العيوب وغفار الذنوب فلا حكمة في نشر فضائحهم وذكر شنائعهم بعد ما حقت عليهم كلمة العقاب وتمت فيهم مواعيد العذاب، فليس المقصود منه إلا اعتبار المعتبرين وتنبيه من لحقهم من الفاسقين الذين شابهوهم بسوء اعمالهم ولهذا عبر عن بعضهم في لسان النبي صلى الله عليه وآله بيهود هذه الأمة ومجوسها.
فانكشف مما ذكرنا ان كل ما ورد في القرآن من المدح كناية وصراحة فهو راجع إلى محمد وآله الطاهرين، وكل ما ورد فيه من القدح كذلك فهو لأعدائهم أجمعين السابقين منهم واللاحقين ويحمل عليه جميع الآيات من هذا القبيل وإن كان خلافا للظاهر لان أسلوب البيان وحفظه عن النقصان يقتضي الكناية وهي أبلغ من التصريح والطف، فلا مشاحة فيها بعد ورود دليل قاطع من العقل
PageV0MP021
والنقل، ولا ينكره إلا من كان دأبه على المكابرة والدجل، والله ولي التوفيق يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
تحريف القرآن:
بقي شئ يهمنا ذكره وهو ان هذا التفسير كغيره من التفاسير القديمة يشتمل على روايات مفادها ان المصحف الذي بين أيدينا لم يسلم من التحريف والتغيير وجوابه انه لم ينفرد المصنف (رح) بذكرها بل وافقه فيه غيره من المحدثين المتقدمين والمتأخرين عامة وخاصة اما العامة فقد صنفوا فيه كتبا كالسجستاني حيث صنف " كتاب المصاحف " والشعراني حيث قال:
ولولا ما يسبق للقلوب الضعيفة ووضع الحكمة في غير أهلها لبينت جميع ما سقط من مصحف عثمان (1).
والآلوسي حيث اعترف بعد سرد الاخبار التي تدل على التحريف قائلا:
والروايات في هذا الباب أكثر من أن تحصى (2).
وقال فخر الدين الرازي في تفسيره:
نقل في الكتب القديمة ان ابن مسعود كان ينكر كون سورة الفاتحة من القرآن وكان ينكر كون المعوذتين من القرآن (3).
ونقل السيوطي عن ابن عباس وابن مسعود انه كان يحك المعوذتين من المصحف ويقول لا تخلطوا القرآن بما ليس منه، انهما ليستا من كتاب الله، إنما امر النبي صلى الله عليه وآله ان يتعوذ بهما، وكان ابن مسعود لا يقرأ بهما (4).
PageV0MP022
وقال الصبحي الصالحي:
" اما القراءات المختلفة المشهورة بزيادة لا يحتملها الرسم ونحوها نحو أوصى ووصى، وتجري تحتها ومن تحتها، وسيقولون الله ولله، وما عملت أيديهم وما عملته فكتابته على نحو قراءته وكل ذلك وجد في مصحف الامام (1) " وهذا اعتراف منه بان مصحف الامام مشتمل على زيادة لوضوح ان هذه القراءات كلها لم تنزل من الله تعالى لان الأفصح والأبلغ في المقام واحدة منها، وكلام الخالق لا يكون إلا بالأفصح والأبلغ، فإذا وجد كل ذلك في مصحف الامام فيحصل لنا العلم ولو اجمالا بزيادة ما ليس من الله في القرآن.
وكذلك ذهب كثير منهم إلى عدم كون البسملة من القرآن، ومن هنا لا يقرؤنها في الصلاة، قال السيد الخوئي دام ظله في البيان: " فالبسملة مثلا مما تسالم المسلمون على أن النبي صلى الله عليه وآله قرأها قبل كل سورة غير التوبة، وقد وقع الخلاف في كونها من القرآن بل ذهبت المالكية إلى كراهة الاتيان بها قبل قراءة الفاتحة في الصلاة المفروضة " (2).
اما الخاصة فقد تسالموا على عدم الزيادة في القرآن بل ادعى الاجماع عليه، اما النقيصة فان ذهب جماعة من العلماء الامامية إلى عدمها أيضا وأنكروها غاية الانكار كالصدوق والسيد مرتضى وأبي علي الطبرسي في " مجمع البيان " والشيخ الطوسي في " التبيان " ولكن الظاهر من كلمات غيرهم من العلماء والمحدثين المتقدمين منهم والمتأخرين القول بالنقيصة كالكليني والبرقي، والعياشي والنعماني، وفرات بن إبراهيم، وأحمد بن أبي طالب الطبرسي صاحب الاحتجاج والمجلسي، والسيد الجزائري، والحر العاملي، والعلامة الفتوني، والسيد البحراني
PageV0MP023
وقد تمسكوا في اثبات مذهبهم بالآيات والروايات التي لا يمكن الاغماض عنها.
والذي يهون الخطب ان التحريف اللازم على قولهم يسير جدا مخصوص بآيات الولاية فهو غير مغير للاحكام ولا للمفهوم الجامع الذي هو روح القرآن، فهو ليس بتحريف في الحقيقة فلا ينال لغير الشيعة ان يشنع عليهم من هذه الجهة.
وتفصيل ذلك ان غيرهم الذي يمكن ان يورد عليهم فهو اما من جمهور المسلمين أو أهل الكتاب كالنصارى واليهود وكلاهما لا يقدران على ذلك اما جمهور المسلمين فلكون كتبهم مملوءة من الأخبار الدالة على التحريف الذي هو أزيد بمراتب من التحريف المستفاد من روايات الامامية، إذ هو عند أولئك بمعنى النقيصة والزيادة وفي سائر مواضيع القرآن حتى قد روي عن عمر أنه قال:
(1) لا يقولن أحدكم قد اخذت القرآن كله وما يدريه ما كله؟ قد ذهبت منه قرآن كثير، ولكن ليقل قد اخذت منه ما ظهر (1).
(2) وعنه أيضا كنا نقرأ الولد للفراش وللعاهر الحجر فيما فقدنا من كتاب الله (2).
(3) وأيضا روي عنه: فكان فيما انزل عليه آية الرجم فرجم ورجمنا بعده (3).
(4) وعن أبي موسى الأشعري: انا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة بالبراءة فأنسيتها، غير انى قد حفظت منها: لو كان لابن آدم واديان من المال لابتغى واديا ثالثا ولا يملا جوف ابن آدم الا تراب (4) ومثله كثير مما يظهر منه ذهاب كثير من القرآن عندهم من آيات الاحكام والسور
PageV0MP024
كسورتي الخلع والحفد (1) وأين هذا من القول بان الساقط منه آيات تتعلق بالولاية فقط مع بقاء جميع آيات الاحكام.
وهذا هو السر في أن الأئمة الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين أمروا بالتشبث بالقرآن الكريم وأمروا بارجاع الأحاديث المشكوكة على القرآن والاخذ بما وافقه ورد ما خالفه وإنما هو نص واضح على أن التحريف والتغيير لم يقع فيها وما وقع منه يسيرا فإنما هو بالنسبة إلى الآيات الراجعة إلى آل بيت النبي صلوات الله عليهم مع بقاء كثيرة منها على حالها لم تحرف مع كفايتها في مقام استعلام فضائلهم مع احتمال كون الساقط من قبيل الشرح لا المتن كما ذهب إليه الكاشاني رح اما أهل الكتاب فإنهم أيضا لا يقدرون على الايراد المذكور لوروده على أنفسهم حقيقة لذهاب التوراة والإنجيل من البين كما يشهد به مطالعة هذين الكتابين، وقد اعترف علماؤهم اجمع بحدوث الأناجيل الأربعة بعد وفاة عيسى حتى سموها NEW TESTAMENT أعني " العهد الجديد ".
وهذا الأناجيل عبارة عن: 1 - إنجيل متى. 2 - إنجيل مرقس.
3 - إنجيل لوقا. 4 - إنجيل يوحنا، وليس واحد منها من كلام عيسى ولا حواريه بل انها نسبت إلى متى ولوقا لتحصيل الاشتهار وجلب رغبة الناس إليها، وقد جرت هذه الأناجيل في الناس دهرا طويلا يقرأ مسودة فحدثت فيها التغييرات والإضافات حينا بعد حين وأضيفت فيها الأساطير التي كان بناء أكثرها على المبالغة وانها كانت على السنة ضعفة العقول في ذلك الزمان حتى حسبت بعد
PageV0MP025
مدة حقائق تاريخية وحوادث واقعية. قد صرح بذلك كله علماؤهم المعروفون في كتبهم (1).
وقال القسيس المعروف ارنست وليام Earnest William ان مرقس أقدم الأناجيل كما سنذكره في الباب الثامن كتب حين انتشرت النصرانية في الارجاء، وكانت الفترة بين صلب عيسى وكتابته أربعين سنة أو أزيد (1).
وهذا بخلاف القرآن الحكيم فان مكتوبا مدونا في زمان الرسول صلى الله عليه وآله عند أمير المؤمنين عليه السلام على قول أو كان مكتوبا متفرقا على ألواح وعسب والفه الخلفاء على قول آخر مع اجماع الفريقين على أن ما بين الدفتين كله من الله تعالى فهو باق على اعجازه منزه عن الدخل في حقيقته ومجازه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، متحد على اعلانه القويم القديم (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) طيب الموسوي الجزائري النجف الأشرف 8 رجب المرجب سنة 1386
PageV0MP026
تفسير القمي لأبي الحسن علي بن إبراهيم القمي رحمه الله (من اعلام قرني 3 - 4 ه.) صححه وعلق عليه وقدم له حجة الاسلام العلامة السيد طيب الموسوي الجزائري الجزء الأول بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الواحد الأحد الصمد المتفرد الذي لا من شئ خلق (1) ما كون بل بقدرته، بان بها من الأشياء وبانت الأشياء منه فليست له صفة تنال ولا حد يضرب فيه الأمثال كل دون صفاته تحبير (2) اللغات، وضل هنالك تصاريف الصفات وحار في اداني ملكوته عميقات مذاهب التفكير، وانقطع دون الرسوخ في علمه جوامع التفسير، وحال دون غيبة المكنون حجب من الغيوب وتاهت في أدنى أدانيها طامحات العقول، فتبارك الله الذي لا يبلغه بعد الهمم ولا يناله غوص الفطن وتعالى الذي ليس لنعته حد محدود ولا وقت ممدود، ولا اجل معدود، فسبحان الذي ليس له أول متبدأ ولا غاية منتهى، سبحانه كما هو وصف نفسه والواصفون لا يبلغون نعته ، حد الأشياء كلها بعلمه عند حلقه وأبانها إبانة لها من شبهها بما لم يحلل فيها فيقال هو فيها كاين ولم يناء عنها فيقال هو منها باين، ولم يخل منها فيقال له أين، لكنه سبحانه أحاط بها علمه وأتقنها صنعه وأحصاها حفظه فلم يعزب عنه خفيات هبوب الهواء ولا غامض سرائر مكنون ظلم الدجى، ولا ما في السماوات العلى إلى الأرضين السفلى وعلى كل شئ منها حافظ ورقيب وبكل شئ منها محيط هو الله الواحد الأحد رب العالمين والحمد لله الذي جعل العمل في الدنيا والجزاء في الآخرة وجعل لكل شئ قدرا ولكل قدر اجلا ولكل اجل كتابا يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب والحمد لله الذي جعل الحمد شكرا والشكر طاعة والتكبير جلالة وتعظيما
पृष्ठ 1