तफ्कीर फरीदा इस्लामिया
التفكير فريضة إسلامية
शैलियों
ويتسع التصوف الإسلامي بأنواعه كما يتسع بعدد المتصوفين، فإن الصوفية - كما هو واضح - أنواع ومذاهب، وكل نوع من أنواعها، وكل مذهب من مذاهبها قد كان له أئمة وأشياع بين الأمم الإسلامية. وتلك مسألة مفهومة بالبداهة؛ فقد دان بالإسلام أناس من الهنود والفرس والطورانيين والحاميين، كما دان به العرب وإخوانهم من الساميين، ولكل أمة مزاجها، ولكل مزاج أثره في الوجهة الصوفية؛ فلا عجب أن يتسع الإسلام لكل نوع من أنواع الحكمة الصوفية عرفه المتدينون.
فالصوفية من حيث الموضوع نوعان عظيمان: نوع العقل والمعرفة، ونوع القلب والرياضة، والصوفية من حيث موقعها من الدنيا كذلك نوعان: نوع يتخطاها وينبذها، ونوع يمشي فيها ويصل منها إلى الله، ويتأدى من الخلق إلى الخالق جل وعلا. وكل هذه المذاهب عرف في الإسلام على أوفاه.
فمن الصوفية العقليين طلاب المعرفة من يحسب في عداد الفلاسفة الأفذاذ، ولا نعرف في عقول الفلاسفة عقلا يفوق عقل الغزالي في قوة التفكير، ولا نعرف موضوعا من موضوعات الحكمة الإلهية لم يلتفت إليه محيي الدين بن عربي، وقد قيل: إن ذا النون المصري كان في طبقة جابر بن حيان في علوم الكيمياء، وإنه كان من الباحثين في طلاسم الآثار الفرعونية.
وهؤلاء الصوفيون العقليون يذهبون بالعقل إلى غاية حدوده، ولا يتهيبون الشكوك والاعتراضات، بل يقولون بلسان الغزالي: إن الشك أول مراتب اليقين، ولكنهم متى بلغوا بالعقل غايته ملكتهم نشوة الوجدان، فأسلموا أمرهم كله إلى الإيمان. وليس اشتغالهم بالعقل مانعا لهم أن يشتغلوا بالرياضة النفسية، وإنما يشتهرون بأفكارهم؛ لأنها الصلة بينهم وبين تلاميذهم ومريديهم وقرائهم، وتغلب شهرتهم بالفكر على شهرتهم بالرياضة.
أما الصوفيون القلبيون فهم يلتمسون المعرفة المباشرة برياضة النفس على قمع الشهوات، وعندهم أن شهوات الإنسان هي الحائل بينه وبين النور؛ فإذا ملك زمامها وأفلت من قيودها تكشف له النور، ووصل إلى مرتبة العارفين، وأغناه صفاء النفس عن دراسة الدارسين، وبحوث الباحثين.
والصوفية من حيث علاقتها بالدنيا نوعان كما تقدم: نوع يرفضها؛ لأنها وهم وغشاوة مزيفة كالطلاء الذي يوضع على المعدن الخسيس ليخيل إلى الأنظار أنه معدن نفيس، ونوع آخر يخوض غمار الدنيا ليبتليها، ويمتحن نفسه بتجاربها وغواياتها، وعنده أنها جميلة لأنها من خلق الله، وكل ما يخلقه الله جميل.
وهذا النوع من الصوفية أقرب أنواعها إلى الإسلام، وليس على المسلم حرج أن يرى للدنيا ظاهرا خداعا، وباطنا صادقا أجمل من ظاهرها؛ فإن قصة الخضر مع موسى - عليهما السلام - تدور كلها على التفرقة بين الظواهر والبواطن في الأحكام والنيات.
إلا أن الصوفي المسلم يقاوم مطامع الدنيا لأنها تحجبه عن حقائقها العليا. ويضربون المثل لذلك بالغزال الظمآن في الصحراء؛ فلا حرج عليه أن يطلب الري من الماء، ولكنه إذا غفل عن نفسه لم يسلم من خداع السراب، فانقاد إلى الهلاك؛ فإذا أصابه الظمأ فليعلم موارد الماء، وليكن على حذر من موارد السراب، وليفرق كما يقولون بين سراب لا شراب فيه، وبين شراب لا سراب حوله. وتلك هي الرياضة التي تستفاد من قمع الشهوات.
وكثيرا ما يبحث الأوروبيون في التصوف ويقصدون به الكلام على أشخاص المتصوفين الذين ظهروا في البلاد الإسلامية، وقليلا ما يبحثون في هذا التصوف ويقصدون به مذاهب التصوف التي يسمح بها الإسلام.
فالدين الإسلامي قد انتشر في أقطار شاسعة كانت فيها من قبله عبادات وثنية وغير وثنية، وقد تسرب بعضها إلى أبناء تلك الأقطار، واختلط بعضها بالعقائد الإسلامية من طريق الوراثة والاستمرار، ولم يسلم التصوف من تلك الأخلاط، فاقترن في أقوال أناس من المنتسبين إلى الإسلام بما يجوز وما لا يجوز.
अज्ञात पृष्ठ