तफ्कीर फरीदा इस्लामिया
التفكير فريضة إسلامية
शैलियों
أما الخلفاء الراشدون فقد اجتهدوا منذ عهد الخليفة الأول أبي بكر الصديق في المصالح المرسلة التي لم يرد فيها نص، ولم تسبق لها سابقة. وأجمل الإمام أحمد ابن إدريس القرافي ما اجتهدوا فيه من قبيل تلك المصالح، فقال في كتابه «شرح تنقيح الفصول»: «ومما يؤكد العمل بالمصالح المرسلة أن الصحابة - رضوان الله عليهم - عملوا أمورا لمطلق المصلحة لا لتقدم شاهد بالاعتبار، نحو كتابة المصحف ولم يتقدم فيه أمر ولا نظير، وولاية العهد من أبي بكر لعمر - رضي الله عنهما - ولم يتقدم بها أمر ولا نظير، وكذلك ترك الخلافة شورى، وتدوين الدواوين، وعمل السكة للمسلمين، واتخاذ السجن. فعل ذلك عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وهد الأوقاف التي بإزاء مسجد رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، والتوسعة بها في المسجد عند ضيقه. فعله عثمان - رضي الله عنه - وتجديد الأذان في الجمعة بالسوق. فعله عثمان - رضي الله عنه - ثم نقله هشام إلى المسجد، وذلك كثير جدا لمطلق المصلحة.»
واجتهد أبو بكر وعمر معا فيما ورد فيه النص لزوال العلة الموجبة، كما فعل في سهم الزكاة للمؤلفة قلوبهم، وكان لهم سهم يأخذونه من رسول الله - صلوات الله عليه - تألفا لقلوبهم أيام ضعف الإسلام وضعف عقيدتهم، ومنهم عباس بن مرداس، والأقرع بن حابس، وعيينة بن حصن، وأبو سفيان بن حرب، وابنه معاوية، فلما ولى الصديق جاءوه يسألونه سهمهم هذا، فكتب لهم بذلك إلى عمر فمزق الكتاب وقال لهم: لا حاجة لنا بكم؛ فقد أعز الله الإسلام وأغنى عنكم، فإن أسلمتم وإلا فالسيف بيننا وبينكم. فلما رجعوا إلى الصديق يستثيرونه ويسألونه: والله لا ندري أنت الخليفة أو عمر؟ قال: بل هو إن شاء. وأمضى ما فعله عمر كما جاء تفصيله في كتاب الجوهرة على مختصر القدوري.
قلنا في كتاب حقائق الإسلام: «ومن سوء الفهم أن يقال: إن الفاروق خالف النص في هذه القضية، وإنما يقال: إنه اجتهد في فهم النص كما ينبغي، وإنه بحث عن المؤلفة قلوبهم فلم يجدهم؛ لأن تأليف القلوب إنما يكون مع مصلحة للإسلام والمسلمين، فإن لم يكن تأليف لم يكن هناك مؤلفة يستحقون العطاء، ولو أن عيينة والأقرع وأصحابهما سئلوا يومئذ: أهم من المؤلفة قلوبهم يستحقون العطاء لأنهم ضعاف الإيمان لما قبلوا أن يثبتوا في ديوان العطاء.»
وأبين من ذلك في باب الاجتهاد مع وجود النص ما رواه الإمام ابن قيم الجوزية مفصلا في كتابه عن إعلام الموقعين؛ حيث قال عن إسقاط حد السرقة في عام المجاعة: «إن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أسقط القطع عن السارق في عام المجاعة.» وبعد أن ذكر الأسناد المتتابعة قال: حدثه عن عمر قال: لا تقطع اليد في عذق ولا عام سنة. قال السعدي: سألت أحمد بن حنبل عن هذا الحديث فقال: العذق النخلة، وعام سنة المجاعة، فقلت لأحمد: نقول به؟ فقال: إي لعمري، قلت: إن سرق في مجاعة لا تقطعه؟ فقال: لا، إذا حملته الحاجة على ذلك والناس في مجاعة وشدة.
قال السعدي: وهذا على نحو قضية عمر في غلمان حاطب ... إن غلمة لحاطب بن أبي بلتعة سرقوا ناقة لرجل من مزينة، فأتى بهم عمر فأقروا، فأرسل إلى عبد الرحمن بن حاطب فجاء، فقال له: إن غلمان حاطب سرقوا ناقة لرجل من مزينة، وأقروا على أنفسهم، قال عمر: يا كثير بن الصلت، اذهب فاقطع أيديهم. فلما ولى بهم ردهم عمر، وقال: أما والله لولا أنني أعلم أنكم تستعملونهم وتجيعونهم حتى إن أحدهم لو أكل ما حرم الله عليه حل له؛ لقطعت أيديهم. وايم الله، إذ لم أفعل لأغرمنك غرامة توجعك، ثم قال: يا مزني، بكم أريدت ناقتك؟ قال: بأربعمائة، قال عمر: اذهب فأعط ثمانمائة. وذهب أحمد إلى موافقة عمر في الفصلين جميعا.
نقول أيضا: إنه لمن الخطأ أن يقال: إن الفاروق ترك النص أخذا بالرأي. فإنه في الواقع عمل بالنص فلم يقم الحد في غير إثم، ولا إثم مع الاضطرار، ولو أنه فعل غير ما فعل لكان آثما، حاشاه؛ لأن إقامة الحد في غير موضعه منكر كإسقاطه في موضعه. وربما كان إطلاق الآثم أهون شرا من عقاب البريء. ومن كان إماما فلم يدرأ الحدود بالشبهات ، ولم يحسب حساب الضرورة التي يبطل معها الإثم، فهو المجترئ على حدود الله، وحكمه حكم من ترك الحدود بغير برهان.
ومن الفهم المعكوس أن يقال: إن الاجتهاد لازم في عصر الدعوة النبوية والنصوص من الكتاب تتوارد، والسنة من أحاديث النبي حاضرة، وصاحب الدعوة أمام الناس يسألونه ويجيبهم، ثم ينقضي ذلك العهد فيحرم الاجتهاد، وهو الموئل الوحيد بين أيديهم لفهم النصوص وتصحيح العمل بالفرائض والأحكام. فهذا من الفهم المعكوس ولا مراء؛ لأنه يقضي بالاستغناء عن الاجتهاد عند الحاجة إليه، والفهم الصحيح في هذه المسألة الجليلة أن ما صنعه النبي - عليه السلام - وتابعه فيه الراشدون من خلفائه وأصحابه وجب على المسلمين أن يصنعوا مثله، ولهم قدوة من أولى الناس أن يقتدوا بسيرته وعمله.
وشبيه بهذا في الفهم المعكوس أن يقال: إن الاجتهاد يصح حين تصح الذمم، وتطهر الضمائر، وتسلم العقائد، ويكثر الصالحون، ولكنه يبطل ولا يصح إذا عم الفساد، وزاغت الضمائر، وضعف اليقين بالأعمال والنيات، فالواقع أن عهد الفساد عهد تكثر فيه الشبهات التي ينبغي للحاكم أن يدرأها عند إقامة الحدود، وتكثر فيه الضرورات التي يجب عليه أن يقدرها بأقدارها عند توقيع العقاب.
وولي الأمر هو المسئول المحاسب على إقامة الحد في موضعه، ودرء الشبهات في مواضعها، وهو المسئول المحاسب على تقدير الضرورات فيما يجريه من عقاب، أو يسقطه من جزاء، وعليه أمانة هذا الواجب الذي يتساوى فيه وضع الجزاء في موضع الإعفاء، ووضع العفو في وضع الجزاء، فإن لم يكن بالحاكم ثقة أن يجري الأمور في مجراها، ولم يكن بالناس ثقة أن تصح فيهم الذمم، وتسلم الضمائر، فمن لغو القول أن يطول الجدل فيمن يقيم الأحكام، وفيما يقام.
अज्ञात पृष्ठ