والدور الرابع:
ينتهي سنة 1832، وهو دور الشيخوخة أو الدور الذي بدأ بموت شيلر وانتهى بموت جيتي، وفيه اشتغل جيتي بالمباحث العلمية وكاد ينصرف عن الأدب. وأهم ما كتب في هذا الدور قصة «القرابات المختارة» وترجمة حياته التي سماها «الشعر الحقيقية» و«الديوان الشرقي» ورحلات ولهلم ميستر وتتمة فوست، وهي التي غلبت فيها نزعة الرموز والألغاز على نزعة الوضوح والمشاهدة الحاضرة.
جيتي يملي على كاتبه.
وهذا أصح تقسيم وأوجزه لسيرة جيتي الكتابية، إلا أنه لا يخلو من عيوب التقسيمات الحاسمة التي لا تظهر في شيء كما تظهر في فصل أدوار الحياة والتفكير، ولا سيما تفكير جيتي دون سائر المفكرين.
ووجه التخصيص في جيتي أنه كان عبقريا متعدد الجوانب والمشاركات فلا تنحصر أدوار نموه وتقدمه في طريق واحدة، وأنه كان رجلا معنيا بما بين يديه في ساعته الحاضرة، فنظرته إلى الشيء في هذه الساعة قد تختلف عن نظرته إليه في الساعة التي تليها: حسب الطوارئ أو حسب الشعور الراهن الموقوت.
خذ مثلا لذلك انتماءه إلى المدرسة «المجازية الجديدة» الذي كثرت حوله المناقشات والآراء، فهذه المدرسة المجازية الجديدة تثور على السيطرة الفرنسية ولا سيما في التمثيل وشرط التزام «الوحدة في العمل والمكان والزمان» الذي كان النقاد الفرنسيون يشترطونه في الرواية التمثيلية، وهذه المدرسة تعجب بشكسبير لسببين: أحدهما خروجه على ذلك الشرط، والثاني رجوعه إلى أصل جرماني؛ ففي دعوة هذه المدرسة شيء من الثورة الوطنية من هذه الناحية.
وكان دعاة المدرسة المجازية يثوبون إلى قصص القديسين ومأثورات الكنيسة الكاثوليكية ونوادر الأبطال في القرون الوسطى لاستلهام الخيال واختيار الموضوعات، وربما اقتبسوا من أخبار الشرق ومأثوراته لأنهم يطلبون الخيالي البعيد ولا يستريحون إلى الواقعي المشهود، وتلك في لبابها روح دينية موكلة بالمسائل الخفية مطبوعة على النظرة الغيبية: تأخذ من مأثورات الكنيسة الكاثوليكية لأنها تشمل فخامة الدين وتاريخ المراسم والشعائر، وتأخذ من الشرق لأنه ينبوع الأسرار والتواريخ القصية والشعوب التي يلفها البعد في ثياب كثياب الكهانة وظلام كظلام الغيب.
فالمدرسة المجازية الجديدة في لبابها إن هي إلا مدرسة وطن ودين، فكيف كان انتماء جيتي إليها في مؤلفاته الأولى والأخيرة؟
إنه كتب رواية «جوتز» ذي اليد الحديدية وهو أحد الأبطال الألمان المشهورين في القرن السادس عشر، وقد خرج جيتي في هذه الرواية على شرط الوحدة في العمل والزمان والمكان خروجا لا يقاس إليه خروج شكسبير، فهو في اختيار الموضوع وفي أسلوب تناوله على رضا المدرسة المجازية من هذين الوجهين فهل معنى ذلك أنه لم يتأثر بالآداب الفرنسية ولم يستمد منها؟
كلا! لأنه ألف قصة «فرتر» في هذه الفترة وعليها مسحة واضحة من «هلواز الجديدة» والعود إلى الطبيعة الذي كان يبشر به روسو وكتاب الثورة الفرنسية، فهل معنى ذلك أنه لم يتأثر بأدب الإغريق ولم يستمد منه؟
अज्ञात पृष्ठ