لشىء مجهول هو محرك البدن ، ثم علمك بأن هذا الجوهر جنس لذلك الشىء هو علم لعارض لذلك الجوهر ، وهو جنس ، فإن الجنسية لا تقوم الجوهر.
قولك : «النفس جوهر ، والجوهر جنس لها» لا يكون حمل الجنس على الجوهر حمل الجوهر على النفس ، فإن الجنسية عارضة للجوهر ، لا مقومة له ، والجوهرية مقومة للنفس ذاتية لها.
لا محالة أنه يعقل ذاته ، ويعقلها مبدأ للموجودات ، والموجودات معقولات هى غير خارجة عن ذاته ، لأن ذاته مبدأ لها ، فهو العاقل والمعقول. ويصح هذا الحكم فيه ، فلا يصح فيما سواه. فإن ما سواه يعقل ما هو خارج عن ذاته.
كل ما يعقل ذاته فإنه هو العقل والعاقل والمعقول. وهذا الحكم لا يصح إلا فى الأول ، فان ذاته فى الأعيان له وذاته مجرد ، فهو يعقله دائما ، فان ذاته حاصل له دائما.
عقله لذاته لسنا نعنى به أن ذاته غير حاصلة له ، فهو يروم أن يعقله ، كالحال فينا إذا لم يكن شىء لنا حاصلا معقولا ، فنبعث بعقلنا لاكتسابه ، بل ذاته حاصل له دائما ، وهو معقول له دائما ، فذاته عقله لذاته ، فهو معقولة. وأما ما يقال : إنا إذا عقلنا شيئا فانا نصير ذلك المعقول فهو محال ، فإنه يلزم أن يكون إذا عقلنا البارى أن نتحد به ونكون هو. وهذا الحكم لا يصح إلا فى الأول ، فإنه يعقل ذاته ، وذاته مبدأ المعقولات ، فهو يعقل الأشياء من ذاته ، وكل شىء حاصل له حاضر عنده ، معقول له بالفعل.
عناية البارى ليس هو سبب عارض من خارج ، مثل إرادة من خارج أو عرض أو داع أو سبب ، بل هو عناية وهو ذاته. فإن صدور الأشياء عنه هو بسبب ذاته ، لا بسبب شىء خارج ، وذاته سبب النظام والخير. وكل ما يصدر عنه يجب أن يكون مناسبا لذاته ، ويكون خيرا لخيرية ذاته ، ولا يجوز أن يكون منافيا لذاته ، فيجب أن يكون كل شىء منتظما خيرا لأنه غير مناف لذاته. وليس معنى الخير والنظام فى الموجودات إلا أنه غير مناف لذاته. وهذا كما نقول فى حرارة النار إنه لا يجوز أن يصدر عنها إلا الحرارة إن لم تقسر على ضدها. وليس هناك قسر ولا مانع غير ذاته. فعنايته هو عقله ، وعقله لذاته مبدأ وخير. وعقله لذاته على هذه الصفة هو وجودها ، أى العناية. وقولك (1) يعقلها نظاما وخيرا ، أى توجد
पृष्ठ 159