قوله عليه السلام: هؤلاء الذين دارت عليهم الرحا
فيه وجهان: الأول: أن يكون كناية عن شدة الملمة بهم وصعوبة الداهية عليهم، يعني أنهم كانوا في مضيق اعتداء المعتدين كأن الرحا تدور عليهم وتطحنهم، ومع ذلك فقد لازموا اتباع سبيل الحق ولم يبايعوا أمير الجور والعدوان.
الثاني: أن يرام أن هؤلاء هم الذين كانوا لملة الاسلام كالقطب والمدار عليهم تدور رحاها وبهم يستقيم أمرها، اتبعوا سبيل الحق ولم يبايعوا أهل الضلال.
يقال: دارت رحى الامر إذا قام عموده واستقام نظامه. ومنه في حديث نعت النبي صلى الله عليه وآله: تدور رحى الاسلام من مهاجرك فتلبث بذلك عشرا، ثم تدور رحى الاسلام على رأس خمسة وثلاثين من مهاجرك فتلبث بذلك خمسا. على ما حققناه في المعلقات على زبور آل محمد الصحيفة الكريمة السجادية (1).
فدوران الرحا عليهم على هذا السبيل معناه دورانها حولهم كما يكون دوران الرحا والفلك على القطب والمحور. وما يقال: إن دوران الرحا إذا استعمل باللام كان للتنسيق والتنظيم، وإذا استعمل بعلى كان للتهويش والتهويل خارج عن هذا الاستعمال.
فاذن ما قاله السيد المكرم الرضي أخ السيد المعظم المرتضى رضي الله عنهما في كتاب مجازات الحديث: دور الرحا يكون عبارة عن حالين مختلفين: إحداهما مذمومة والاخرى محمودة: فالمذمومة هي الحال التي بني عليها الاخبار عن ازعاج الامر عن مناطه وازحافه عن قراره، واما الحال المحمودة فهي أن يكون دور الرحا عبارة عن تحرك جد القوم وقوة أمرهم وعلو نجمهم يقال: دارت رحا بني فلان إذا اتفقت لهم هذه الأحوال المحمودة، فهذه حال كان دور الرحا فيهما محمودا لمن دارت له ومذموما لمن دارت عليه، وانما قالوا: دارت رحا الحرب لجولان الابطال
पृष्ठ 28