لحسن ما انطوت عليه سريرته وانطبعت عليه جبلته، قال (١): فأتيت المعلم الذي يقرئه القرآن فوصيته به وقلت له: هذا الصبي يُرجى له أن يكون أعلم أهل زمانه وأزهدهم، وينتفع النَّاس به، فقال لي: أمنجِّمٌ أنت؟ قلتُ: لا، وإنَّما أنطقني الله الذي أنطق كل شيء بذلك، فذكر ذلك لوالده فحرص عليه إلى أن ختم القرآن وقد ناهز الاحتلام (٢).
قال الشيخ ﵀: فلما كان عمري تسع عشرة سنة قدم بي والدي إلى دمشق سنة تسع وأربعين وستمائة، فسكنت المدرسة الرَّواحية، وبقيت نحو سنتين لم أضع جنبي إلى الأرض، وكان قُوتي بها جراية المدرسة لا غير.
قال بعضهم: وكان يتصدَّق منها أيضًا (٣).
ومن قوَّة يقينه ملازمته لِحَيَّةٍ عظيمة في بيته بالرواحية، ويراها كل ليلة تخرج إليه ويُقدم لها لُبابًا تأكله، حتَّى إنَّ بعضهم رآه في غفلة وهو يطعمها اللباب، فقال له: يا سيِّدي، ما هذه؟ وخاف، فقال له: هذه خلق من خلق الله لا تضر ولا تنفع، أسألك بالله أن تكتم ما رأيت ولا تحدِّث أحدًا (٤).
_________
(١) أي: الشيخ ياسين المراكشي.
(٢) "تحفة الطالبين" (ص ٤٣، ٤٥).
(٣) المصدر السابق (ص ٤٣، ٤٥).
(٤) "المنهل العذب الروي في ترجمة النووي" للسخاوي (ص ١١٢).
1 / 35