पुरानी दुनिया में खाना
الطعام في العالم القديم
शैलियों
وكانت الثمرة التي تحظى بالأهمية الكبرى هي الزيتون، نظرا لمظهره المميز وسط المناظر الطبيعية، وعلاقته بآلهة معينة - الإلهة أثينا بالتحديد - وتعدد استخداماته في الطهي وفي صناعة صابون الاستحمام. نجد في ملحمة «الأوديسا» أن الزيتون هو نبات الحضارة، الذي يتفيأ أوديسيوس ظلاله في رحلة عودته إلى إيثاكا. ويستخدم وتد من الزيتون البري لإصابة الوحش سايكلوب آكل البشر بالعمى. وكان زيت الزيتون هو الجائزة التي تقدم للفائزين في الألعاب المصاحبة لاحتفال بان أثينايا. ومع أن مظهر الزيتون كان مميزا في المناظر الطبيعية لبلدان البحر المتوسط، لم يكن دائما من النباتات التي تسهل زراعتها، ولم تكن أشجار الزيتون موجودة دائما في الأماكن نفسها على مر القرون (راجع للاستزادة سالاريس 1991، ودالبي 1996).
شكل 4-4: كان نبات الخبيزة من الأطعمة التي يربط هسيود وأريستوفان بينها وبين طعام الفقراء كما كانت الحال في الكثير من الثقافات. وتوجد منه أنواع كثيرة «تخلو كلها تماما من الخواص غير الصحية» (جريف 1931: 506-509). وأشاد به الكثيرون (مثل بلينوس وديسقوريدوس وجالينوس) نظرا لخواصه اللطيفة والملينة. (حصلنا على نسخة من الصورة بإذن من كبير كهنة كاتدرائية إكستر ورجال الكنيسة العاملين بها.)
ويلاحظ في كتابات بعض المؤلفين - كما رأينا - أن الفواكه والخضراوات لا تحظى باهتمام كبير منهم، وكانت هذه النباتات المتنوعة المستخدمة كأطعمة - في رأي الأطباء - توفر فوائد متنوعة والعكس، لكنها عادة كانت أقل أهمية من الحبوب والبقوليات ؛ لأنها كانت توفر قيمة غذائية أقل (وهي الكلمة التي كانوا يقصدون بها الطاقة، وهي المعادل لما نطلق عليه السعرات الحرارية). امتدح بعض المؤلفين نباتي الخبيزة والبروق، وقال هسيود قوله الشهير: إن الخبيزة والبروق يحتويان على فائدة كبيرة. ولكن لعل أريستوفان يصف الأمر بدقة أكبر؛ ففي مسرحية أريستوفان «بلوتوس، إله الثروة» يتشاجر البطل كريميلوس مع مخلوقة مخيفة تجسد الفقر (بينيا)، تدعي أنها تفيد المواطنين. يصف كريميلوس نصيبهم (543-544): «بدلا من الخبز يأكلون عيدان الخبيزة، وبدلا من المازا يأكلون أوراق الفجل الذابلة.» وتصنف بينيا هذا الموقف لا بصفته الحياة الفاضلة التي تشجعها، بل حياة الشحاذين؛ لذا فالحبوب هي الغذاء الأساسي، أما الفواكه والخضراوات والأعشاب فهي مواد إضافية أو «أوبسا» كما يطلقون عليها.
ونجد إشادة كبيرة بالفواكه والخضراوات في كتابات المؤلفين الرومان، مثل قصيدة «جورجيك» من تأليف فيرجيل، وفي كتابات المؤلفين المتخصصين في مجال الزراعة. كانت تتوافر منتجات زراعية ممتازة من كل الأنواع واستحدثت أيضا أنواع جديدة. ورأينا فيما سبق إدخال الكرز إلى إيطاليا - مثل إدخال الأترج إلى اليونان - ربما في عصر ثيوفراستوس. ولم تكن الخضراوات وضيعة المكانة بحيث يصعب ربطها ذهنيا بالترف. وكما سنرى في الفصل التالي بخصوص يأس بلينوس من الترف الذي أدخله المحار إلى روما، يتحدث على المنوال نفسه عن الخرشوف الشوكي (19، 43):
ربما يعتقد أن كل الخضراوات المهمة باتت مذكورة الآن، ولكن بقيت سلعة مربحة للغاية، لا بد من ذكرها بشعور من الخزي. ومن المعروف أن محاصيل الأشواك (الحرشف) في قرطاج وبالتحديد في قرطبة تدر أرباحا تقدر ب 6000 سيسترس من الحقول الصغيرة، ما دمنا نحول حتى النباتات البشعة التي تنتجها الأرض لأغراض الشره، ونزرع فعلا خضراوات تشمئز من لمسها - بلا استثناء - كل الحيوانات ذوات الأربع. ونزرع الأشواك البرية بطريقتين ... وتحفظ أيضا في العسل المخفف بالخل، مع إضافة جذور السيلفيوم والكمون، وذلك حتى لا يمر يوم دون أشواك برية على العشاء. (ترجمه إلى الإنجليزية: راكام)
وهو لا يعترض على الخس الإسبرطي أو الكابادوكي، وهما سلعتان مستوردتان من الشرق (19، 38)، أو على الأنواع الإغريقية من البنجر (40). ويبدو أن الشكوى من الخرشوف الشوكي لا تنصب على منشئها الأجنبي بقدر ما تنصب على تكلفتها. وفي الجزء التاسع عشر من كتاب بلينوس (19)، نجده يمتدح أسلوب البستنة المعروف بحديقة الكوخ؛ وهو يربط بين الحديقة وبين الحدائق الأسطورية مثل حدائق هيسبيريديس وأدونيس وألكينوس (في ملحمة «الأوديسا» 7)، وبين حدائق الملوك: الحدائق المعلقة التي أنشأها الملوك الآشوريون وملوك روما الأوائل. كان القانون الروماني المتعلق باللوائح الاثنتي عشرة يمنح كل مواطن حديقة، أما في الوقت الحاضر فقد طغى الترف على الحديقة، على غرار الأسلوب الذي «أدخله إبيقور - سيد الترف - إلى مدينة أثينا». كانت الحديقة في رأي بلينوس تسبق الفوارق الفادحة للثراء في روما. كانت الحديقة هي حقل الفقير، وكانت تتيح لعامة الناس إنتاج طعامهم بأنفسهم بدلا من شراء الطعام (بما فيه السلع المستوردة) من السوق. ولكن بعدما لم تعد لكل شخص الحديقة التي تدعمه، صار الكفلاء يحصلون على خبز أفضل من الذي يحصل عليه الأتباع، وتوافرت نباتات يستطيع الأغنياء شراءها دون الفقراء؛ إذ أصبحت إمدادات المياه تقسم وفقا لدرجة الثراء، وصار الأغنياء يبردون الماء بالثلج. وأصبحت السلاطات - التي لا تتطلب طهيا ولا وقودا، وكانت تسد الإحساس بالجوع - تحظى بقدر أقل من التقدير؛ إذ أقبل الناس على الفلفل الوارد من الهند وغير ذلك من السلع المستوردة.
ونجد هذا المنهج الزراعي القائم على الأيدولوجية قويا في الكثير من النصوص الرومانية، ونناقشه باستفاضة في الفصلين السابع والتاسع. ويعكس هذا المنهج مشاعر القلق حيال نجاح الإمبراطورية وزيادة الثروة. ويكفي في الوقت الحاضر أن نذكر أنه من الممكن ربط هذه المخاطر الأخلاقية بالخرشوف الشوكي، وبتراجع أكل السلاطة بقدر ما يمكن ربطها بالوجبات التي تحتوي على أسماك وطيور مستوردة.
يبدو أن مذهب بلينوس بخصوص الجمهورية يسمح بالنماذج الأجنبية والملكية إلى جانب نموذج المواطن المزارع. ويذكر أيضا دعم بعض الأباطرة لخضراوات معينة؛ فكان الإمبراطور تيبيريوس يحب السيسارون (نبات يشبه البطاطا الحلوة) - وهو من الخضراوات الجذرية غير معروفة النوع - وكان يطلب الحصول على ثمار مميزة منها من ألمانيا (19، 28: راجع دالبي 2003: 304-305). وكان الإمبراطور تيبيريوس يفضل أيضا الهليون (19، 42)، وهو نبات كان يزرع بنجاح في إيطاليا. وكان كاتو يستحسن الهليون وأيضا الكرنب بدرجة كبيرة، نظرا لمذاقهما الطيب وخواصهما الدوائية. ويساعد هذا الاستحسان الذي تبديه شخصية ذات مكانة للخضراوات في ترسيخ مكانتها في الثقافة الرومانية. وهذه أمثلة من الممكن إضافتها إلى القصة العظيمة التي وقعت في عهد الجمهورية، والتي تتحدث عن حب مانيوس كوريوس لأكل الأجزاء العليا من نبات اللفت (راجع الفصل السابع).
ولا تستبعد آراء بلينوس الأخلاقية النباتات الأجنبية، ويقال إن السيلفيوم - هو شمر عملاق كان يستورد من ليبيا - هو أكثر النباتات نفعا وخاصة للصحة (19، 16)، مع أنه كان من الواردات المترفة التي كانت - على حد قول بلينوس (19، 15) - تصل في شحنة تزن 1500 رطل، وكان يوليوس قيصر يخزنها في خزينة الدولة مع الذهب والفضة. ويطلعنا بلينوس على معلومة شهيرة، وهي أن نيرون تلقى ما كان يبدو أنه آخر جذر من السيلفيوم زرع في مدينة قوريني. ومنذ ذلك الحين فصاعدا، حل محله من حيث خاصيته الأساسية ونكهته نبات الأنجدان، وهو شمر عملاق آخر يزرع في المنطقة الأفغانية من بلاد فارس القديمة. كان السيلفيوم من النكهات القديمة التي تميز الطعام الإغريقي والروماني، وهو موجود في وصفات الطعام وقوائم الأطعمة الإغريقية والرومانية. وكان السيلفيوم يقدم النكهة العطرية للكبريت الممزوج بالثوم، وبالإضافة إلى استعماله في الطهي كانت له أيضا خواص دوائية مهمة.
وكان السيلفيوم من الواردات القيمة، ومن الواضح أنه كان يحظى قطعا بهذه المكانة في القرن الخامس قبل الميلاد، إن لم يكن قبل ذلك. وهو مدرج في قائمة الواردات التي تفد إلى ميناء بيريوس، وهي القائمة التي وضعها الشاعر الهزلي هيرميبوس (راجع الشذرة 63)، ويقدم ثيوفراستوس وصفا له من حيث علم النبات ومن الناحية التجارية. ولا نجد إجماعا تاما على ما قاله بلينوس عن انقراض هذا النبات. ويذكر ديسقوريدوس السيلفيوم القادم من قوريني في الفترة نفسها، ويستشهد أرنوت (1996: 386-387) بعدد من المصادر اللاحقة التي ذكرته، ومن الممكن أن نضيف إلى هذه المصادر جالينوس في بحثه «عن العقاقير النباتية البسيطة». ربما تحتفظ هذه المصادر بمصطلح «سيلفيوم» للإشارة إلى منتج يعرفه الجميع ولكن لم يعد يأتي من قوريني. ولنا أن نكون على يقين من أن هذا النبات كان يميز العشاء الراقي بطريقة لم توفرها نباتات محلية مثل المريمية والزعتر والكمون. وكان سعره مرتفعا، ولكن كان من المفترض أنه أقل من سعر الفلفل وغيره من الواردات الوافدة من الشرق الأقصى.
अज्ञात पृष्ठ