18

तबसीरा

التبصرة

प्रकाशक

دار الكتب العلمية

संस्करण संख्या

الأولى

प्रकाशन वर्ष

١٤٠٦ هـ - ١٩٨٦ م

प्रकाशक स्थान

بيروت - لبنان

فَكَانَ إِذَا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ أَخَذَ فِي الْبُكَاءِ وَالْعَوِيلِ، فَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ لَيْلَةً: يَا بُنَيَّ ارْفُقْ بِنَفْسِكَ. فَقَالَ: يَا أُمَّاهُ إِنَّ لِي مَوْقِفًا طَوِيلا بَيْنَ يَدَيْ رَبٍّ جَلِيلٍ، فَلا أَدْرِي أَيُؤْمَرُ بِي إِلَى ظِلٍّ ظَلِيلٍ أَوْ إِلَى شَرٍّ مُقِيلٍ، إِنِّي أَخَافُ عَنَاءً لا رَاحَةَ بَعْدَهُ [أَبَدًا]، وَتَوْبِيخًا لا عَفْوَ مَعَهُ. قَالَتْ. فَاسْتَرِحْ قَلِيلا. فَقَالَ: الرَّاحَةُ أَطْلُبُ يَا أُمَّاهُ، كَأَنَّكِ بِالْخَلائِقِ غَدًا يُسَاقُونَ إِلَى الْجَنَّةِ وَأَنَا أُسَاقُ إِلَى النَّارِ! فَمَرَّتْ بِهِ ليلة في تهجده هذه الآية ﴿فوربك لنسئلنهم أجمعين، عما كانوا يعملون﴾ فَتَفَكَّرَ فِيهَا وَبَكَى وَاضْطَرَبَ وَغُشِيَ عَلَيْهِ فَجَعَلَتْ أُمُّهُ تُنَادِيهِ وَلا يُجِيبُهَا فَقَالَتْ لَهُ: قُرَّةَ عَيْنِي أَيْنَ الْمُلْتَقَى؟ فَقَالَ بِصَوْتٍ ضَعِيفٍ: إِنْ لَمْ تَجِدِينِي فِي عَرْصَةِ الْقِيَامَةِ فَسَلِي مَالِكًا عَنِّي!. ثُمَّ شَهَقَ شَهْقَةً فَمَاتَ. ﵀. فَخَرَجَتْ أُمُّهُ تُنَادِي: أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمُّوا إِلَى الصَّلاةِ عَلَى قَتِيلِ النَّارِ! فَلَمْ يُرَ أَكْثَرُ جَمْعًا وَلا أَغْزَرُ دَمْعًا مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ. هَذِهِ وَاللَّهِ عَلامَةُ الْمُحِبِّينَ وَأَمَارَاتُ الصَّادِقِينَ وَصِفَاتُ الْمَحْزُونِينَ. (مَآثِمُ الْمُذْنِبِينَ مَا تَنْقَضِي ... آخِرَ الدَّهْرِ أَوْ يَحُلُّوا اللُّحُودَا) (وَحَقِيقٌ أَنْ يَنُوحُوا وَيَبْكُوا ... قَدْ عَصَوْا مَاجِدًا رَءُوفًا وَدُودَا) (كُلُّ ثَكْلَى أَحْزَانُهَا لِنَفَادٍ ... وَلَنَا الْحُزْنُ قَدْ نَرَاهُ جَدِيدَا) (كَيْفَ تَفْنَى أَحْزَانُ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ ... مِرَارًا وَخَانَ مِنْهُ الْعُهُودَا) (وَيْحَ نَفْسِي مَا أَقُولُ إِذَا مَا ... أَحْضَرَ اللَّهُ رُسُلَهُ لِي شُهُودَا) (ثُمَّ قَالَ اقْرَأْ مَاذَا عَمِلْتَ وَجَاوَزْتَ ... بِمَا كَانَ مِنْكَ فِيهِ الْحُدُودَا) (ثُمَّ تُخْفِي لِمَا اسْتَتَرْتَ مِنَ الْخَلْقِ ... وَبَارَزْتَنِي وَكُنْتُ شَهِيدَا) أَيَا كَثِيرَ الشِّقَاقِ، يَا قَلِيلَ الْوِفَاقِ، يَا مَرِيرَ الْمَذَاقِ، [يَا قَبِيحَ الأَخْلاقِ] يَا عَظِيمَ التَّوَانِي قَدْ سَارَ الرِّفَاقُ، يَا شَدِيدَ التَّمَادِي قَدْ صَعُبَ اللِّحَاقُ، إِخْلاصُكَ مُعْدَمٌ وَمَا لِلنِّفَاقِ نِفَاقٌ، مَعَاصِيكَ فِي إِدْرَاكٍ وَالْعُمْرُ فِي إِمْحَاقٍ، وَسَاعِي الأَجَلِ مُجِدٌّ كَأَنَّهُ فِي سِبَاقٍ، لا الْوَعْظُ يُزْجِرُكَ، وَلا الْمَوْتُ يُنْذِرُكَ، مَا تُطَاقُ.

1 / 38