ويستنتج أرسطو من ذلك مدى تأثير الحرارة والبرودة على حالات الأجسام؛ فمن آثار البرودة الأخرى مساهمتها في تشكل المواد الأخرى مثل المعادن، كما أنها تساعد في عملية هضم الطعام في فصل الشتاء بشكل أفضل من فصل الصيف. «وقد يدل أيضا دلالة عظيمة على أن الحرارة والبرودة فاعلتان؛ فكل واحدة منهما توجد سببا لكون الأجسام وفسادها ... وأما البرودة فتتولد عنها المعادن، ويفسد بها النبات إذا عرض له الذبول، والحيوان إذا شاخ ... والبرودة تسخن بالعرض؛ ولذلك نجد الاستمراء والانهضام في الشتاء أجود وأقوى.»
10 (2) أبولونيوس التياني (القرن 1م)
بحث بليناس أو أبولونيوس التياني
Apollonius of Tyana (توفي 100م) في سبب حدوث الاعتدال في حرارة الجسم عندما يختلط الحار مع البارد، حيث يأخذ كل واحد منهما من الآخر ويؤثر كل منهما في الآخر حتى يصلا إلى حالة التوازن في الحرارة. «وأقول أيضا إن الحر إذا أصاب البرد أسخنه، فسخن البرد وبرد الحر فبرد؛ فإذا برد الحر وسخن البرد اعتدلا، فامتزجا وضعفا جميعا وانقلب كل واحد منهما عن كيانه.»
11
كما بحث أبولونيوس في أسباب تشكل الثلج والجليد بطريقة تختلف عن طريقة أرسطو، حيث إن بخار الهواء يرتفع من باطن الأرض نحو الأعلى بسبب وجود الحرارة بداخله، لكنه ما إن يصل فإنه يخسر تلك الحرارة؛ عندها يتكاثف ويمكن أن يعود بهيئة مطر، لكن إذا ازدادت درجة البرودة تجمد ذلك الماء وأصبح ثلجا.
الأمر نفسه ينطبق على الجليد؛ حيث تصل البرودة إلى عمق الماء فتحيله إلى الجليد، حيث قال: «إذا صعد البخار من أسفل الأرض فصار إلى العلو عرض له البرد في الهواء، فانسل الحر منه وهو الذي طيره إلى العلو، ولم يعرض له الرياح فتعصره فيرجع ماء، لكنه ثقل لخروج الحر منه فرجع بخارا مجتمعا قد لصق بعضه ببعض فأفرط عليه البرد من الهواء، فجمده فانحدر سائلا، وسمي ذلك الجامد ثلجا. وكذلك أقول على الجليد؛ إذا أفرط البرد في الهواء اتصل بالماء لأنه من شكله؛ فإذا وصل البرد إلى عمق الماء بطنت الحرارة المستجنة في الماء، وكانت هي التي تذيبه وتمنعه من أن يجمد فيصير حجرا، فإذا وصل إليه البرد العارض من الهواء بطنت الحرارة فيه واشتدت برودته، فجمد الماء وسمي ذلك الجامد جليدا.»
12 (3) جالينوس (القرن 2م)
ميز كلاوديوس جالينوس
K. Galen (توفي 200م) بين الجسمين الحار والبارد حسب غلبة الكيفية التي بداخله؛ فإذا كانت كيفية البرودة هي الغالبة نقول عندها إن الجسم بارد والعكس صحيح. هذه الفكرة تستند في أساسها على نظرية أرسطو في العناصر الأربعة ولم تخرج عنها بجديد؛ فقد جاء في كتاب «جوامع الإسكندرانيين لكتاب جالينوس في العناصر» أن جالينوس قال: «اسم الحار واسم البارد يجريان على معنيين؛ أحدهما كيفية الحرارة والبرودة بمنزلة ما يقول إن هذا الجسم حاله حال حارة أو حال باردة، والآخر الجسم الذي فيه تلك الكيفية؛ إلا أن هذا الجسم إما أن يكون فيه تلك الكيفية التي يوصف بها وحده، وإما أن يكون يخالطها فيه ضدها، وإما وحدها؛ فبمنزلة الحرارة في النار التي ليس معها برودة، وبمنزلة البرودة في الماء التي ليس معها حرارة، وما كان من الأجسام على هذا فيقال إنه في غاية الحرارة أو البرودة؛ وذاك أن كل شيء خالص محض لا يخالطه ضده فهو الغاية، وأما الكيفية التي يخالطها ضدها فبمنزلة ما في جميع الأقسام المركبة، وكل واحد من هذه يوصف بالحرارة والبرودة على أحد وجهين؛ إما بالأغلب، وإما بالمقايسة بينه وبين آخر من جهة الأغلب. وإذا كانت الحرارة فيه أكثر من البرودة فيقال من هذا الوجه حار، وإذا كانت البرودة عليه أغلب فيقال من هذا الوجه إنه بارد. أما من جهة المقايسة فإذا قيس بجسم آخر فوجد أشد حرارة منه فقيل من هذا الوجه إنه حار، أو وجد أنه أشد حرارة من هذا الوجه إنه حار، أو وجد أنه أشد برودة منه فقيل إنه بارد.»
अज्ञात पृष्ठ