لكن لدى المقارنة بين الحرارة والبرودة من ناحية القوة والشدة فإن الحرارة أقوى؛ لأنها تستطيع أن تجمع أجزاء المادة المتجانسة كالذهب الخالص، أو تفرق أجزاء المادة المختلفة مثل مزيج الذهب والفضة، بينما البرودة يمكنها أن تجمع بين المواد سواء كانت متجانسة الأجزاء أو غير متجانسة.
قال في ذلك: «إن الحرارة أقوى من البرودة، إن الحرارة يمكن فيها أن تصل وتفرق. وأما الاتصال فالأشياء المتساوية في النوع بمنزلة الذهب مفردا على حدته والفضة على حدتها. وأما التفرقة ففي الأشياء المختلفة في النوع؛ وذلك أن الذهب الذي خالطته الفضة إذا خلص بهر وصار إبريزا واعتزلت الفضة في ناحية. وأما البرودة فيمكن فيها أن تصل بين المتساوية في النوع والمختلفة، ويدل على ذلك أن الضفادع تجمد مع الماء في كون الجليد، وأما أن تفرق فليس يمكن فيها.»
17
و«للحرارة والبرودة أيضا أن كل واحدة منهما تقبل وتحيل، وتجفف وترطب، وتصلب وتلين.»
18
واتفق مع من سبقه على أن قدرة الحرارة والبرودة وفاعليتهما لها تأثيرها على كل ما هو موجود في الحياة، «إن الحرارة والبرودة فاعلتان؛ لأن كل واحدة منهما توجد سببا لكون الأجسام وفسادها؛ ذلك لأن الحرارة يتولد عنها الحيوان ويغتذي، والأجسام التي فيها تهيؤ للاحتراق تحترق. وأما البرودة فتتولد عنها المعادن، ويفسد بها النبات إذا عرض له الذبول، والحيوان إذا شاخ. والحرارة أيضا تبرد بالعرض؛ ولهذا نجد الاستمراء والنضج في الصيف أقل. والبرودة تسخن بالعرض؛ ولذلك نجد الاستمراء والانهضام في الشتاء أجود وأقوى.»
19
وكان المقصود بمصطلح النهوءة عند المفيدروس الأثر الذي تحدثه البرودة: «أما النضج ففعل الحرارة، وأما النهوءة ففعل البرودة. وكل واحد من هذين يكون على جهات شتى؛ إما لحفظ الشيء القابل له مع نوعه، وإما لعدم نوعه.»
20
و«النهوءة إنما تكون مع استحالة نوع الشيء القابل لها، كالذي يعرض في الأشياء التي تحمص، وإما مع حفظ نوعه، وذلك يكون إما للأجسام النامية، كالذي يوجد في ثمار الأشجار التي لا تنضج، وإما للأجسام غير النامية. وهذا الصنف أيضا إما أن يكون للنهوءة، وحدوثه متى غلبت الحرارة على المادة؛ وإما متى عدم الشيء، وحدوثه يكون إذا لم تقهر الحرارة المادة.»
अज्ञात पृष्ठ