कलाम में प्राकृतिक विज्ञान: अतीत से भविष्य तक
الطبيعيات في علم الكلام: من الماضي إلى المستقبل
शैलियों
37
وفيما بعد سأوضح تفصيلا كيف كان المعتزلة فلاسفة الحرية والعقل من حيث هم أهل العدل والتوحيد.
على أن مذهب الطبائع ليس حكرا على المعتزلة، وليس شاملا لكل رجالاتهم، فقد رفضها العلاف ورفضها أيضا القاضي عبد الجبار المعتزلي، قائلا: إن تعليق الحوادث بالطبع تعليق لها بما لا يعقل. أصحاب الطبائع في الواقع هم أصحاب النزعة المادية. قال بها من المتكلمين النظام، والجاحظ، ومعمر بن عباد السلمي، وثمامة بن الأشرس، وهشام بن عبد الحكم، وهشام بن سالم الجواليقي، قال بها أيضا ابن رشد، ودعاة المنطق الحسي من الفقهاء، ويمكن أن نجدها بشكل ما في بعض تجليات وحدة الوجود الصوفية، التي تعود في أصولها الأولى إلى شكل ما من وحدة الوجود المادية المستندة على تجسيم الله كمذهب الكرامية أصحاب ابن كرام (ت255ه)، الذين أمعنوا في إثبات الصفات والعرش حتى ذهبوا إلى تصور جسم واحد قديم أزلي أبدي، ولا فرق فيه بين خالق ومخلوق، وتحدثوا عن حدوث العالم في ذات الله. وثمة هشام بن عبد الحكم وهو من رواد الطبائع وأيضا من رواد التجسيم في الإسلام، ذهب إلى أن الله جسم مادي، مستندا في هذا إلى ظاهر بعض الآيات القرآنية التي توحي بذلك نقليا أو سمعيا. أما عقليا فقد استند على أن الشبيه يدل على الشبيه، وما دمنا نستدل على وجود الله من الأجسام الطبيعية الحادثة فلا بد أن الله أيضا جسم.
وبديهي أن المعتزلة بنزعتهم التنزيهية الخالصة ونفي الصفات عن الذات الإلهية، قد جردوا مذهب الطبائع من هذه الترهات وبلغ على أيديهم نضجا رائعا.
وأخيرا يتقدم ابن خلدون الذي يكاد يكون أول مفكر في العالم القديم - شرقا أو غربا - يحاول مد فكرة الطبائع من عالم الطبيعة إلى عالم الإنسان أو بمصطلحاته عالم العمران، وكان ابن خلدون بهذا يحدث قطيعة مع التراث السابق عليه بأسره، والذي لم يتصور - بتأثير أرسطو وسواه - قوانين للتبدل أو طبائع تحكم عالم التاريخ. فعل ابن خلدون هذا على الرغم من أشعريته ومن مشاركته الأشاعرة في الهجوم على المعتزلة بغير أن يمنعه هذا من الاعتراف بفضلهم.
وبخلاف ابن خلدون، نجد الأشاعرة جميعا ينهالون بنقد عنيف على مذهب الطبائع، بالرغم من اتساقه - الذي عني المعتزلة بتبيانه، كما اتضح فيما سبق - مع الإرادة الإلهية؛ فقد اعتبروا استغناء الأحداث عن الفاعل المختار وجريانها بمقتضى الطبيعة نوعا من الشرك.
يقول الجويني الأشعري إمام الحرمين بنبرته الهادئة المتزنة: «يستحيل أن يكون مخصص العالم طبيعة كما صار إليه الطبائعيون؛ لأن تلك الطبيعة إما أن تكون قديمة أو حادثة، لو كانت قديمة لوجب قدم آثارها، وآثارها حادثة وتفتقر إلى طبيعة أخرى؛ الصانع المختار هو العلة والفاعل الأوحد.»
38 •••
وفي النهاية نجد الأشاعرة، بما آل إليهم من سطوة معرفية وسؤدد أيديولوجي، قد أزاحوا مذهب الطبائع من مسار الفكر الإسلامي، ولعله كان كفيلا بتوجيه هذا الفكر إلى ما هو أفضل مما انتهى إليه حال الطبيعيات، لكن الرفض السابق للأحكام الانفعالية الحدية والإصرار على النجاة من التطرف الذي يلهي عن تاريخانية ونسبوية كل مقولة، مهما كان نصيبها من الصواب، يجعلنا نقول: ليس صحيحا أن عودتنا إلى أصحاب الطبائع من الاعتزاليين هي كل المنشود، مما قد يغني عن قطيعة معرفية.
أجل! مذهب الطبائع يكاد - إلى حد ما - أن يرادف مبدأ الحتمية العلمية في الفلسفة الأوروبية، والذي كان الأساس الإبستمولوجي والأنطولوجي لنسق العلم الحديث والفيزياء الكلاسيكية، بل كانت الحتمية هي الأساس وأيضا العماد والإطار والهدف للعلم، حتى أمكن القول إنها بمثابة: «لحمة العلم وسداها سائر النظريات والقوانين والفروض ومجمل النشاط العلمي.»
अज्ञात पृष्ठ