कलाम में प्राकृतिक विज्ञान: अतीत से भविष्य तक
الطبيعيات في علم الكلام: من الماضي إلى المستقبل
शैलियों
أي الموقف المنادي بنفي التراث العربي نفيا كليا؛ لأنه أحد المعوقات الكبرى لعملية التحديث المرومة، فلا بد من إعدامه وقطع كل صلة به، هذا يفضي إلى الانقطاع التام عنه والبدء من جديد، بدءا يكاد يكون من نقطة الصفر (!) مما يهيئ للانطلاق بأقصى سرعة ممكنة للحاق بأذيال الحضارة الغربية. إنه موقف التحديثيين العلمانيين المتطرفين الذي نوقش فيما سبق (ص34-35).
والحق أن هذا التيار وصل في بعض امتداداته - مثلا مع هشام شرابي وعبد الله القصيمي - إلى حالة من التطرف تلامس حدود هوس إعدام ووأد و«ذبح» كل ما هو عربي إسلامي؛ للبرء منه لسلخه أو الانسلاخ عنه، تلك هي مجزرة التراث: الذبح والسلخ. مثل هذه الحالات ليست من القطيعة في شيء، ولا شأن لها بجدلية انفصال أو اتصال، بل هي انسلاخ حضاري، أو بالأحرى عصابي، وقد تكون في الواقع في حالة المغتربين عن المكان حقيقة أو مجازا، الذين ينسلخون عن ذواتهم ويعيشون بحضارة غير حضارتهم وقومية غير قوميتهم (قريب من هذا التجربة الأتاتوركية). لكن إذا سلمنا بأن الواقع طبعا ليس هو ذاته المعرفة، والإبستمولوجي ليس هو طبعا الأيديولوجي، تبدى لنا أن الانسلاخ ممكن حضاريا، بيد أنه مستحيل معرفيا، بل إن الانسلاخ موقف مناقض لأي موقف «معرفي»، وكما يومض ورود مصطلح المغتربين والاغتراب، يكاد يقترب من لاعقلانية الوجودية المناهضة للتفكير العلمي والعقلاني إجمالا، حين يتحدث الوجوديون عن القطيعة والتلاشي بمعنى الانفصال والعدمية. يقول سارتر: «إذا كان السلب يأتي إلى العالم بواسطة الأنية، فهذه ينبغي أن تكون موجودا يستطيع أن يحقق قطيعة معدمة (انفصال ملاش) مع العالم ومع ذاته، وقد قررنا أن الإمكان المستمر لهذه القطيعة هي والحرية شيء واحد.»
20
أي إن الحرية - صلب فلسفتهم الوجودية - أن تنقطع الذات عن ماضيها ومستقبلها وعالمها وقيمها، وتعدم كل هذا وتلاشيه، ومثل هؤلاء لا نتوقع منهم تنظيرات أيديولوجية أو أدوارا تاريخية أو مهام حضارية لسبب بسيط جدا، هو أن همهم في تأكيد الوجود الفردي الأصيل والنجاة من الانصهار والذوبان في المجتمع أو الجماعة أو الحشد أو القطيع ... إلى آخر تعبيرات الوجوديين المعروفة. على كل هذا يغدو الانسلاخ الحضاري حالة قفز ووثب بلا أصول ولا امتدادات. •••
ليس كل استخدام لآلية القطيعة «المعرفية» يعني انسلاخا حضاريا أو يمتد ليصبح موقفا حضاريا شاملا، يحيط بمجمل الغطاء النظري للواقع الحضاري، أو يحيط بالواقع الحضاري ذاته ليرادف الانسلاخ الذي لا يكون إلا فرديا.
ها هنا أعيد المفهوم إلى حدوده ليصبح مجرد آلية من آليات العقل العلمي، مفهوم إبستمولوجي يقتصر دوره على الفعالية الإنسانية المتجددة في عملية اكتساب المعرفة بالطبيعة والسيطرة عليها. حتى إن كان يستفاد به في تفسير ما لتحولات تاريخية؛ فليس يناط به أدوار حضارية جلى بمثل شمولية الغطاء النظري، وإن كان يمكن أن يسري على تعامل العقل البشري مع هذا الغطاء في مراحل تاريخية متفاوتة؛ وبهذا لا تمثل القطيعة المعرفية أي نقض أو عرقلة للتوجه الإسلامي أو حالة الانسلاخ عنه، بل العكس تماما؛ هي أداة من أدوات الحيلولة دون هذا الانسلاخ، «مفهوم القطيعة يجعلنا نتحرك دائما داخل نفس الثقافة.»
21
وبديهي أنها لا تحدث بين شخصين أو مقولتين تنتميان لثقافتين مختلفتين أو لميدانين معرفيين مختلفين، بل إنها يمكن أن تعطي التوجه الإسلامي العروبي إذكاء نحو السيرورة والديناميكية ... نحو البديهية الجوهرية؛ أي التاريخانية.
ولكن إذا كانت القطيعة قد أصبحت توصيفا للأيديولوجيا الأوروبية، ونحن لا نريدها توصيفا لأيديولوجيتنا، هل معنى هذا أن مشروعنا قائم على «التواصل» تماما ليحمل كل الأصالة بلا شبهة تحديث، بينما المشروع الغربي قائم على «انقطاع» إطلاقا ليحمل كل «الحداثة » بلا شائبة من أصالة؟!
والحق أن الواقع الحضاري والواقع الإنساني ... الواقع إجمالا، لا يقوم على توصيفات كيفية جامعة مانعة، تطرح خيارات «إما ... أو»: إما تواصل وإما انقطاع، بل ثمة آليات ومكونات عامة تتواجد في المشاريع جميعها أو في الحضارات من حيث هي حضارات. إن الاختلاف دائما، لا سيما من النظرة العلمية، اختلاف في الدرجة وليس في النوع، أو اختلاف في ترتيب الأولويات.
अज्ञात पृष्ठ