प्रकृति और परा प्रकृति: पदार्थ, जीवन, ईश्वर
الطبيعة وما بعد الطبيعة: المادة . الحياة . الله
शैलियों
Taine ، وما الاختيار سوى فعل منعكس موع؛ فإنه لما كان لكل شخص مزاجه البدني، كان هذا المزاج قاعدة الخلق الذي هو جملة استعداداتنا النفسية الدافعة إلى العمل.
ونحن نسلم بأن للاستعدادات البدنية والأحوال الخارجية تأثيرا كبيرا في أفعالنا؛ ونعلم أن للقمر تأثيرا في ماء البحر مدا وجزرا، وأن اضطراب السوداويين والمجانين يشتد في رءوس الأهلة؛ فمن الطبيعي أن يكون للعلل الكونية أثرها في أجسام الناس يحدث فيها انفعالات وميولا تتأثر بها الإرادة قليلا أو كثيرا. ولكننا نزعم أن الناس في جملتهم يستطيعون أن يضبطوا هاته الانفعالات والميول، وأن يتخذوها هي موضوع مشورة، وأن يختاروا بعد ذلك ما يشاءون، فلسنا نرى في جميع الأفعال الإنسانية أفعالا حرة، بل فقط أن في وسع الإنسان أن يفعل بحرية متى وجه انتباهه إلى ذلك، واتخذ الوسائل الملائمة. ومن ناحية أخرى لا يدفع المزاج بالإرادة إلا في جهة عامة جدا لا تحتم قط الأفعال الجزئية: مثال ذلك أن الحاجة إلى العمل التي يولدها المزاج الدموي قد نرضيها بأفعال شجاعة وتضحية أو بأفعال عنيفة إجرامية. هذا فضلا عن كون موضوع الإرادة المطابق لها والمضطر لها هو كما قلنا الخير المجرد الكلي، فهي بطبيعتها مسيطرة على المزاج وعلى كل عامل مادي. وإذا قارنا بين الأفعال الإرادية والأفعال البدنية بدا الفرق كبيرا بين الطائفتين، أو بالأحرى بدا بينهما تضاد حاسم، يرجع إلى ذلك الذي فصلناه في الكلام على أصالة الحياة الحاسة، وليس عند الحسيين من جواب سوى نظرية «الظاهرة الطارئة» تلك النظرية البالغة أقصى حدود التهافت. ولا غرابة في ذلك، فإنهم يعتقدون بمصدر واحد للمعرفة وهو الإحساس، فقضى عليهم المنطق أن يعتقدوا بنزوع واحد هو الحسي.
بل إن بعض العقليين المتطرفين أبوا هم أيضا الإقرار بوجود خاص للإرادة، وردوها إلى العقل. على رأسهم أفلاطون، وقد ذهب إلى أن «الفضيلة علم والرذيلة جهل» أو خطأ؛ لأن أحدا لا يريد الشر عمدا، وإنا نتبع دائما ما يدل عليه العقل أنه الأحسن. وذهب سبينوزا إلى أن الفعل الإرادي فكرة جلية مائلة بذاتها إلى التحقق من جراء جلائها، وأن تعليق الحكم أو إرجاءه ما هو إلا عدم إدراك الموضوع المقصود إدراكا مطابقا له.
ولكن حيرة أفلاطون في تعليل اختيار الشر الخلقي نشأت من عدم ملاحظته ملاحظة كافية أن كلا من الخير والشر نوعان: أحدهما طبيعي محسوس، والثاني خلقي معقول، وأن الشر الخلقي خير طبيعي، يراد لخيريته الحسية، أو ينبذ لشريته الخلقية، فالمعروض على العقل دائما خير من أحد النوعين: لأن أيهما خير من وجه وشر من وجه، فيظل العقل في حال اتزان تام لا يدعوه فيها سبب للميل إلى الواحد دون الآخر؛ فإذا ما حكم كان حكمه صادرا عن اتجاه نظره إلى واحد منهما، فيراه خيرا إما طبيعيا وإما خلقيا؛ ولاتجاه النظر علة طبعا مغايرة للعقل، وهي التي تسمى الإرادة؛ فلولا الإرادة ما حكم العقل وما كان فعل. فإرادة الشر الخلقي مفهومة من حيث إرادة خير طبيعي مناسب للجسد لاذ له، وكما أن إرادة الخير الخلقي مفهومة لمناسبتها للنفس ولذتها لها. فليست الفضيلة علما، ولكنها فعل قوة صادرة عن علم العقل موجهة له في الحصول على هذا العلم. وكذلك ليست الرذيلة جهلا أو خطأ، ولكنها هي أيضا فعل تلك القوة الصادرة عن علم آخر هي موجهة للعقل إليه. فالإرادة مفترقة عن العلم والجهل، قائمة على حيالها، متجهة إلى الخير بمختلف أنواعه.
وللرد على سبينوزا يكفي أن نذكر أن جل الناس يعملون أشياء مقصودة بإرادة قوية دون إدراكها إدراكا مطابقا، بل إن كثيرين يعملون بقوة أعظم كلما كان إدراكهم أشد غموضا؛ ويعملون الشر مع علمهم بشريته، أي إنهم يفضلون الخير المحسوس على الخير المعقول؛ وكل هذا خارج عن حكم العقل القويم مناف له، فهو راجع إلى قوة أخرى هي التي نسميها الإرادة، ولولا تدخلها لانخفض عدد الأفعال الإنسانية إلى قليل جدا هي الأفعال المطابقة للعقل المؤثرة للخير الخلقي.
وللإرادة خاصية لازمة هي الحرية. بحيث لا يمكن التحدث عن إحداهما إلا وتذكر الأخرى. الحرية كفاية للعمل باستقلال عن كل ضرورة تكون علة تامة له؛ أو هي اختيار الكائن العاقل فعله بنفسه دون ما إكراه خارجي أو ضرورة داخلية، بحيث حتى حين يفلح الإكراه الخارجي في إصدار الفعل تظل الإرادة متأبية قبوله محتفظة بحريتها. هذا الإكراه أو القسر أو الضرورة الخارجية تأتي من جانب فاعل، يجبر بالقوة على إتيان الفعل أو على تركه. والضرورة الداخلية تأتي من موضوع هو خير من كل وجه، كالسعادة، أو هو الوسيلة الوحيدة للبلوغ إلى غاية مرادة، كإلقاء السلع في اليم للنجاة من الغرق، فتجد الإرادة نفسها مضطرة لقبوله. فليس كل فعل إرادي فعلا حرا؛ وليست ضرورة الغاية (أو ضرورة الوسيلة) منافية للإرادة؛ لأنها تجيء على وفق ميل الإرادة، بينما القسر مناف للإرادي إطلاقا من حيث إن الإرادي يصدر عن مبدأ باطن وفقا للميل، وأن مبدأ القسري خارجي مضاد للميل.
وفيما خلا حالتي الضرورة الداخلية - وهما الغاية المضطرة والوسيلة المضطرة - فالإرادة غير معينة إلى واحد، ولكنها حرة تختار ما تشاء. وهي من هذا الوجه تتحرك على نحوين: أحدهما أن تفعل أو لا تفعل، وهذه حرية التناقض؛ والنحو الثاني أن تفعل موضوعا معينا أو ضده، وهذه حرية التضاد أو تعيين الموضوع وتخصيصه؛ لأن الإرادة هاهنا تختار بين خيرات عدة متضادة وتعين لها موضوعا، وفي حرية التناقض - أي حرية مزاولة الفعل والترك - تختار بين خيرين اثنين فقط.
وعلى ذلك لا يصح تعريف الحرية بأنها الاختيار بين الخير والشر (الخلقيين)، فإن الشر لا يمكن أن يكون بذاته موضوعا للإرادة، وهي لا تريده إلا من حيث يبدو لها خيرا (طبيعيا)، فليس اختيار الشر (الخلقي) من لوازم الحرية، وإنما هو نقص يدل على اغترار النفس؛ إذ إن العاقل الكامل يسمو بنفسه عما ليس خيرا حقيقيا أو وسيلة إلى خير حقيقي. والاختيار بين الخير والشر داخل في حرية التضاد أو التعيين، فحرية التناقض هي الحرية الأساسية، وهي تتضمن الأخرى، ولا ينعكس، فإني لا أستطيع الاختيار بين متضادين إلا وأنا مستطيع ألا أختارهما. (3) الحرية
الدليل المباشر على وجود الحرية هي شهادة الوجدان، وهذه شهادة واضحة كل الوضوح، فلا تسمى في الحقيقة دليلا أو برهانا، وإنما هي تجربة ومشاهدة. فما إن نتصور غاية ما حتى نقف التصور وما يحف به من رغبات، ونمنعها من التحقيق بما لها من قوة تحريك، ريثما نتأملها ونصدر حكما بشأنها، فإن الحالة الوجدانية التي لا تقمع تعقبها حركة تحقيقها، فتخرج من سلطان الإرادة، ويحدث هذا في حالات كثيرة، بعضها نتيجة اندفاع وقتي، وبعضها نتيجة مرض عصبي، أو ضعف إرادي. والتأمل أو المشورة بحث في قيمة ما يختلج في النفس من دواع، أي أسباب عقلية كالواجب والشرف، ومن بواعث أي انفعالات حسية كالمحبة والكراهية والطمع والحسد وما إليها. فإذا ما تمت هذه الموازنة صدر الحكم الذي هو الاختيار. وليس من طبيعة الاختيار أن يتطلب جهدا، كما يعتقد كثيرون وكما اعتقد كنط، أو أن يغلب الواجب على الشهوة، أو الخير على الشر، وإنما هو اختيار صرف، ومن الوجهة الوجدانية، بغض النظر عن الوجهة الأخلاقية، فإذا قدرنا قيمته من هذه الوجهة، أحسسنا فضل العمل الصالح وتبعة العمل السيئ.
فالذي يقمع الدواعي والبواعث يدل في هذه المرحلة الأولى على سلطان وإرادة. والذي يدخل في مشورة يعتقد ويشعر أن الأمر راجع إليه. وفي أثناء المشورة نشعر أن الخيرات التي هي موضوعها تتنازعنا ولا يضطرنا واحد منها لاختياره كأن له سلطانا مطلقا. وحين نضع حدا للمشورة نشعر أننا أردنا ذلك الحد، لا أننا انسقنا ضرورة لأحد تلك الخيرات؛ ونشعر أننا نختار بحيث «نستطيع» أن نختار موضوعا آخر، وأن الميل الضروري هو إلى الخير الكلي أو السعادة، بينما الخيرات الجزئية لا تجبر الإرادة، وأننا نستطيع اختيار أحدها أو ضده. وحين نقدر مسئوليتنا عن أفعالنا المروية، نراها واقعة علينا. وبالجملة نشعر بسلطاننا على الفعل في جميع مراحله، وإذا صادفنا إلحاحا من أحد الدواعي أو البواعث استطعنا إرجاء الفعل بدل العدول عنه، فبان ذلك أسهل علينا، ودل على إمكان العدول النهائي.
अज्ञात पृष्ठ