प्रकृति और परा प्रकृति: पदार्थ, जीवन, ईश्वर
الطبيعة وما بعد الطبيعة: المادة . الحياة . الله
शैलियों
واتخذ هوبس وهيوم وآخرون؛ من العلم الطبيعي كما وجدوه عند نيوتن، أسلوبا في التصوير والتعليل يرتكز على الجذب والدفع والتجميع والتركيب، فتصوروا الظواهر الوجدانية وحدات مستقلة على مثال الذرات العنصرية تتجاذب وتتدافع وتتركب تبعا لقوانين التداعي من تشابه وتضاد وتقارن دون فاعلية باطنة ولا نفس يحار في كنهها، فكونوا علم النفس الفيزيقي
المبني على نظرية التداعي. ولكن معاصرين لهم أو خلفاء تركوا الطبيعيات شيئا فشيئا، والتمسوا في علم الحياة أسلوبا أقل صلابة وأقرب إلى «النفسيات»، فاستعاضوا عن تلك الوحدات بالأفعال المنعكسة، وهي أبسط الظواهر الحيوية، وأدت بهم دراسة تركيب أعضاء الحواس ومزاولتها وظائفها إلى دراسة الأفعال الوجدانية المرتبطة بها، فكونوا علم النفس الفسيولوجي
ودفعوا إلى الأمام هذا العلم الناشئ من الفحص عن وظائف الدماغ، وأثر جروحه أو اضطراباته في العادات الجسمية والتذكر والتكلم، على ما سنذكره فيما بعد. وهكذا إذا أراد الماديون تسويغ مذهبهم وإرجاع الظواهر الوجدانية إلى الظواهر الفيزيقية، أدخلوا المادة والكمية في علم النفس.
وظنوا أنهم يجدون تأييدا في مذهب التطور، أو النشوء والارتقاء، الذي كان يحاول - في جميع الميادين - تعليل الأشياء على اختلافها، بما فيها النشاط الوجداني، بتنوع أصل متجانس هو الحركة المنعكسة لا غير، وذلك بالملاءمة بين الإنسان وبين الأحوال المواتية في البيئة الخارجية، وتنازع البقاء، وبقاء الأصلح، وترسيخ التغير بالوراثة. وبالرغم من هذه المحاولة بدا الوجدان أو الشعور مغايرا للمادة غير مشترك وإياها في شيء ما. وكان هذا خليقا أن يحدوهم إلى الاعتراف بإخفاق مذهب التطور، أو على الأقل إلى احتجازه في حدود معينة؛ ولكنهم أصروا على أن المادة هي الأصل الراسخ، هي الأول والآخر، وأن الشعور «عرض طارئ» على الجهاز العصبي
Epiphénomène
فكأنهم لم يصنعوا شيئا.
والواقع أنهم لما وجدوا العلم التجريبي قد تقدم كثيرا، خطر لهم أن يطبقوا على علم النفس المنهج الذي حاز ذلك النجاح الكبير في العلوم الفيزيقية والحيوية، وهو منهج المشاهدة والاختبار، وأن يغفلوا كل مسألة لا تنال بهما، فاقتصروا على وصف الظواهر الوجدانية واستخلاص قوانينها، صارفين النظر عن النفس في ذاتها وما تثيره من مسائل وجودها وماهيتها وأصلها ومصيرها، تاركين هذه المسائل لما سمي علم النفس النظري، ناقلين هذا العلم إلى علم ما بعد الطبيعة، وهو عندهم خزانة الفروض والتخمينات. والحقيقة أن العلمين متلازمان؛ لأن النظري مكمل للتجريبي مفسر لظواهره. بل إن علم النفس أكثر اتصالا بالفلسفة وأحوج إليها من سائر العلوم الطبيعية، بحيث لا يمكن الخوض فيه من الوجهة التجريبية البحت.
مما تقدم يتبين أن أهم مسائل النفس، من الوجهة العلمية، مسألتان اثنتان: هما وجودها أولا، وعلاقتها بالجسم ثانيا، وأن على نوع هذه العلاقة يتوقف الرأي في مسألة المعرفة التي هي المسألة المركزية في الفلسفة. سيأتي الكلام عن وجود النفس في مكانه المنطقي، بعد استعراض القوى أو الوظائف الوجدانية، كما ينظر في العلة بعد النظر في المعلول. أما العلاقة بين النفس والجسم ففيها أربعة مواقف: إفراط وتفريط ووسط زائف ووسط حق.
الإفراط في جانب الأفلاطونيين يقولون بالنفس، ولكنهم يتصورونها شبيهة بالملاك، ولا يضعون بينها وبين الجسم سوى تجاور عرضي. والتفريط في جانب الماديين ينكرون النفس ويردون جميع أفعال الإنسان إلى الجسم وحده. والوسط الزائف في جانب القائلين بالتوازي بين أفعال النفس وأفعال الجسم، إما لسبق تدبير من الله، أو لعلة لا ندركها. والوسط الحق القول بالاتحاد الجوهري بين النفس والجسم؛ وهو قول أرسطو، يسترشد بالواقع ويفسره، فيتفادى الصعوبات التي اعترضت الفلاسفة، ويوفق بين الروحية والمادية توفيقا بديعا، لا بأخذ شيء من هنا وشيء من هناك، على مألوف أصحاب التخير، بل بالتزام الحد الذي يلتقي عنده الطرفان ويندمجان فيه.
ومن الرأي في الإنسان يلزم الرأي في المعرفة: فالإفراط في جانب الأفلاطونيين يدعون أننا ندرك المجردات إدراكا معادلا لها، ويرتفعون بالمعرفة الإنسانية إلى أصل علوي أو مثل غريزية لا صلة لها بالمحسوس. والتفريط في جانب الحسيين يلحون بحق في تبعية المعرفة للحواس، والتفاتنا إلى الصور الخيالية، وينكرون أن يكون لنا بالمجردات علم أصلا. والوسط الزائف قول كنط: إن المجردات صيغ أو قوالب فكرية لا تمت إلى الوجود بسبب. والوسط الحق تصور الإنسان متوسطا بين الملاك والبهيمة، له طبيعة خاصة شأنها أن تبدأ معرفتها بالحواس وتتأدى إلى اللامحسوس بالعقل المجرد المستدل. (2) منهج علم النفس
अज्ञात पृष्ठ