प्रकृति और परा प्रकृति: पदार्थ, जीवन, ईश्वर
الطبيعة وما بعد الطبيعة: المادة . الحياة . الله
शैलियों
بالنسبة إلى الهيئة والشكل، أي إلى ترتيب أجزاء الكمية في الشيء. ويفرقون بين الهيئة والشكل بقولهم: إن الهيئة تطلق على الطبيعيات، مثل: هيئة الإنسان وهيئة الأسد، وإن الشكل يطلق على المصنوعات. الهيئة صادرة عن الجوهر، كما نشاهد في المتبلورات وفي الأحياء؛ والشكل مفروض من الإنسان على المادة، أو من الطبيعة في تغيرها المستمر، وعلم الفراسة مؤسس على صدور الهيئة من الجوهر، بينما الشكل ترتيب خارجي فقط. فهذا القسم الرابع يشمل الهيئات والأشكال على اختلافها، فإنها تبدي الأشياء في ترتيبات معينة.
وبعد فإن للآليين رأيا في الكيفيات المحسوسة لازما من رأيهم في المادة، نذكره الآن ونرد عليه، ولو أنا عرضنا له في كتاب «العقل والوجود» إلا أنا نثبت هنا جميع وجوه التهافت في مذهبهم، فنرسم له صورة وافية تكشف عما يعتوره من بطلان، وخلاصة ذلك الرأي قول إمامهم ديموقريطس: إنه لما كانت المادة مجرد امتداد، كان الشكل والمقدار والحركة والسكون الكيفيات الوحيدة التي تصح إضافتها للأجسام؛ بينما الضوء واللون والصوت والطعم والرائحة والحرارة انفعالات تثيرها في حواسنا حركات الأجسام تبعا لتكوين المؤثر وخصائص الحركة وتكوين الشخص في تغيره من حال إلى حال. والطائفة الأولى من الكيفيات ملازمة للأجسام، ومن ثمة موضوعية وقد دعيت بالكيفيات الأولية؛ بينما الطائفة الثانية ذاتية للشخص المنفعل، عديمة الشبه لما يلوح في أذهاننا، وقد دعيت بالكيفيات الثانوية.
ولما بزغ عصر النهضة الحديثة، وأراد العلماء الفلاسفة - وفي طليعتهم جليليو وديكارت - تحويل العلم الطبيعي إلى علم رياضي، اصطنعوا هذا الرأي لإمكان تطبيق الرياضيات على المادة الصرف، واستحالة تطبيقها على الانفعالات النفسانية، وأرجعوا ما يسمى تغيرات كيفية إلى تغيرات كمية، أي حركات تقاس مباشرة فيقاس بها سائر الانفعالات بصفة غير مباشرة، بل يحدث بعضها عن بعض ما دامت تتفق كلها في الحركة: فكمية معينة من الحركة الميكانيكية يحدث عنها دائما كمية معينة من الحرارة. وهكذا في مختلف الحالات.
والواقع أن هذه الأقوال واهية لا تثبت للامتحان:
فأولا:
ومن جهة المعرفة الإنسانية: تبدو الكيفيات الثانوية كأنها في الأشياء كالكيفيات الأولية سواء بسواء، فإذا لم تكن فيها كان شعورنا باليقين باطلا، ووجب الشك في كل يقين. ثم إن لنا حواس عدة، ولكل حاسة جهاز خاص لإدراك موضوع خاص، فكيف نفسر تغاير الأجهزة والموضوعات على هذا النحو؟ فإن قيل - كما قال فعلا ديكارت ومالبرانش وبرجسون وغيرهم - إنها للفائدة العملية وتدبير الحياة طبقا للعلاقة بين جسمنا وما يحيط بنا من أجسام، أجبنا: إذا كانت الفائدة لا تتحقق إلا هكذا، أليس هذا دليلا على أن الكيفيات في أنفسها مختلفة، وأن الإدراك يقع عليها كما هي؟
ثانيا:
ومن جهة الكيفيات: لو كانت حركات ليس غير، لاختلفت بالدرجة فقط، فأحسسناها بدرجات متفاوتة، ولم نحس ألوانا وطعوما وروائح عدة مختلفة. فما السبب في هذه الفوارق بينها، مع العلم بأن التغاير بالدرجة، أي بالكم لا يحدث تغايرا بالذات ، كما لاحظنا غير مرة. وما السبب في اطراد الحركات وآثارها، وليست تقتضي المادة بذاتها نسقا معينة أو نسبة متداولة؟
ثالثا:
ومن جهة المضاهاة بين الطائقتين من الكيفيات: إن الثانوية منها تدرك تبعا للأولية، فبالضوء واللون وباللمس والسمع ندرك أشكال الأشياء ومقاديرها: فكيف تكون هذه ذاتية وتكون تلك موضوعية؟ ثم كيف تكون الصلابة موضوعية ويكون باقي المحسوسات الأولية ذاتيا، وهي جميعا محسوسة على السواء؟ فإما أن نقبل موضوعية الصلابة ونضم إليها غيرها من المحسوسات الثانوية، وإما أن نرفض موضوعية الصلابة، ونضم إليها في الرفض غيرها من المحسوسات الأولية.
अज्ञात पृष्ठ