وقال الحافظ جلال الدين السيوطي في كتابه " نظم العقبان، في أعيان الأعيان "، بعد نقله كلام الصفدي هذا، قلت: قد تعرض للمسألة من المتقدمين ابن درستويه، في الكتاب " المتمم "، فقال: الشهور كلها مُذكرة إلا جمادى، وليس شيء منها يُضاف إليه شهرًا إلا شهرا ربيع، وشهر رمضان، قال الله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الذِي أُنْزِلَ فيه القُرآنُ) .
وقال الراعي:
شَهْرَيْ رَبيعٍ مَا تذُق لَبُونهُم ... إلا حُمُضًا وَخْمَة ودَوِيلًا
فما كان من أسمائها أسمًا للشهر، أو صفة قامت مقام الاسم، فهو الذي لم يَجُزْ أن يضاف الشهر إليه، ولا يُذكر معه، كالمحرم، إنما معناه الشهر المحرم؛ وهو من الأشهر الحرم، وكصفر، وهو اسم معرفة كزيد، من قولهم: صفر الإناء يُصفر صفرًا، إذا خلا، وجُمادى، وهي معرفة، وليست بصفة، وهي من جمود الماء، ورجب وهو معرف، مثل صفر، وهو من قولهم: رجبت الشيء. أي عَظمته؛ لأنه أيضًا من الأشهر الحرم، وشعبان؛ وهو صفة بمنزلة عطشان، من التشعب والتفرق، وشوال، وهو صفة جَرَت مجرى الاسم، وصارت معرفة، وفيها تشول الإبل، وذي القعدة، وهي صفة قامت مقام الشهر والقعود عن التصرف، كقولك، هذا الرجل ذو الجلسة، فإذا حذفت الرجل قلت: ذو الجلسة، وذي الحِجة مثله، مأخوذ من الحج.
وأما الربيعان، ورمضان، فليست بأسماء للشهر، ولا صفات له، فلا بد من إضافة شهر إليها، كقولك شهر ربيع، وشهر رمضان، ويدُلُك على ذلك أن رمضان فعلان من الرمضاء، كقولك الغليان، وليس الغليان بالشهر ولكن الشهر شهر الغليان، وجعل رمضان اسمًا معرفة للرمضاء، فلم يُصرف لذلك، فأما رواة الحديث فيرون أن اسم من أسماء الله تعالى. وربيع إنما هو اسم للغيث، وليس الغيث بالشهر، ولكن الشهر شهر غيث، فصار ربيع اسمًا للغيث معرفة كزيد، فإذا قلت: شهر ربيع الأول والآخر، فهما صفتان لشهرٍ، وإعرابهما كإعرابه، ولا يكونان صفة لربيع، وإن كان معرفة، لأنه ليس هنا ربيعان، وإنما هو ربيع واحد، وشهرا ربيع، ولو كان كذلك لكانا نكرتين، ولكانا مُضافين إلى معرفة، وصارا به معرفة.
انتهى كلام ابن درستويه كما نقله السيوطي.
ويؤخذ منه أن رجب لا يُضاف إليه لفظ شهر. كما ذكر الصفدي، فليتأمل.
وجرت العادة بأن يقولوا في شهر المحرم: شهر الله. وفي شهر رجب: شهر رجب الفرد، أو الأصم، أو الأصب، وفي شعبان: المُكرم، وفي رمضان: رمضان المعظم. وفي شوال: شوال المبارك، ويؤرخوا أول شوال بعيد الفطر، وثامن الحجة، بيوم التروية، وتاسعه، بيوم عرفة، وعاشره بعيد النحر، وتاسع المحرم بيوم تاسوعاء، وعاشره بيوم عاشوراء. فلا يحتاجون أن يذكروا الشهر، ولكن لا بد من ذكر السنة.
فائدة
قد يجئ في بعض المواضع " نيف " و" بضع "، مثل قولهم: نيف وعشرون، وهو بتشديد الياء ومن قال: نيف. بسكونها، فذاك لحن. وهذا اللفظ مُشق من أناف على الشيء، إذا أشرف عليه، فكأنه لما زاد على العشرين كان بمثابة المُشرف عليها، ومنه قول الشاعر:
حَلَلْتُ برَابِيةٍ رَأسُهَا ... على كُلِّ رابِيَةٍ نَيَّفُ
واختلف في مقداره، فذكر أبو زيد أنه ما بين العقدين، وقال غيره: هو الواحد إلى الثلاثة.
قال الصفدي: ولعل هذا الأقرب إلى الصحيح.
1 / 6