وروى الخطيب بسنده، عن إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة، أنه كان يقول: أنا إسماعيل بن حماد بن النعمان بن ثابت بن النعمان بن المرزبان، من أبناء فارس الأحرار، والله ما وقع علينا قط؛ ولد جدي في سنة ثمانين، وذهب ثابت إلى عليّ بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، وهو صغير، فدعا له بالبركة فيه، وفي ذريته، ونحن نرجو من الله أن يكون استجاب ذلك لعلي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، فينا. انتهى.
قال السراج الهندي، بعد أن نقل ما ذكر عن إسماعيل: وكذلك قاله أخو إسماعيل، ولا يحل لمسلم أن يظن بهما مع جلالة قدرهما، ودقة ورعهما، أن ينتسبا إلى غير آبائهما.
قال الخطيب البغدادي: والنعمان بن المرزبان، أبو ثابت، هو الذي أهدى لعليّ بن أبي طالب الفالوذج يوم النيروز، فقال: نورزونا كل يوم.
وقيل: كان ذلك في المهرجان، فقال: مهرجونا كل يوم.
وذكر في " الجواهر المضية " لأبي حنيفة نسبًا طويلًا، أوصله إلى آدم ﵊، تركنا ذكره لعدم صحته، والله تعالى أعلم.
فصل
في ذكر مولده ووفاته، وصفته عن مزاحم بن داود بن عُلية، أنه كان يذكر عن أبيه أو غيره، أن أبا حنيفة ولد سنة إحدى وستين، ومات سنة خمسين ومائة.
وقال الخطيب: لا أعلم لصاحب هذا القول مُتابعًا، ثم روى بسنده عن أبي نعيم، أن أبا حنيفة ولد سنة ثمانين، وكان له يوم مات سبعون سنة، ومات في سنة خمسين ومائة، وهو النعمان بن ثابت.
وروى عنه بسند آخر، أنه قال: ولد أبو حنيفة سنة ثمانين بلا مائة، ومات سنة خمسين ومائة، وعاش سبعين سنة.
واختلف في الشهر الذي مات فيه، فقال بعضهم: في شعبان. وقال بعضهم: في رجب. وعن أبي يوسف: أنه مات في النصف من شوال.
وكانت وفاته بمدينة بغداد، ودفن بالجانب الشرقي منها في مقبرة الخيزران، وقبره هُناك ظاهر معروف مقصود بالزيارة.
وقال ابن خلكان: وبنى شرف الملك أبو سعد محمد بن منصور الخوارزمي، مُستوفي مملكة السلطان ملك شاه السلجوقي، على قبره مشهدًا وقبة، وبنى عنده مدرسة كبيرة للحنفية، ولما فرغ من عمارة ذلك، ركب إليها في جماعة من الأعيان ليشاهدوها، فبينما هُم هناك إذ دخل عليهم الشريف أبو جعفر مَسعود المعروف بالبياضي، وأنشد:
ألم تَرَ أنَّ العلمَ كان مُبَدَّدًا ... فَجَمَّعَهُ هذا المُغّيَّبُ في اللَّحدِ
كذلك كانتْ هذه الأرضُ مَيْتةً ... فأَنْشرَها فِعْلُ العَمِيدِ أبي سَعْدِ
فأجازه أبو سعد بجائزة سنية.
وكان بناء المشهد والقبة، في سنة تسع وخمسين وأربعمائة.
وقيل: الذي بنى ذلك ألب أرسلان محمد، والد السلطان ملك شاه.
قال ابن خلكان: والظاهر أن أبا سعد بناهما نيابة عن ألب أرسلان المذكور، وهو كان المباشر، كما جرت عادة النواب مع ملوكهم، فنُسبت العمارة إليه بهذا الطريق. انتهى.
وأما ما ورد في صفة أبي حنيفة: فمنه ما ذكر أبو نعيم، قال: كان أبو حنيفة حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، حسن المجلس، شديد الكرم، حسن المواساة لإخوانه.
وقال أبو يوسف: كان أبو حنيفة ربعة من الرجال، ليس بالقصير ولا بالطويل، وكان أحسن الناس منطقًا، وأحلاه نغمة، وأنبهه على ما يريده.
وعن عمر بن حماد بن أبي حنيفة، أن أبا حنيفة كان طوالًا، تعلوه سمرة، وكان لباسًا، حسن الهئة، كثير التعطر، يعرف بريح الطيب إذا أقبل وإذا خرج من منزله قبل أن نراه.
﵁.
فصل
في ذكر خبر ابتداء أبي حنيفة
بالنظر في العلم عن أبي يوسف أن قال: قال لي أبو حنيفة: لما أردت طلب العلم جعلت أتخير العلوم، وأسأل عن عواقبها، فقيل لي: تعلم القرآن.
فقلت: إذا تعلمت القرآن، وحفظته، فما يكون آخره؟ قالوا: تجلس في المسجد، ويقرأ عليك الصبيان والأحداث، ثم لا تلبث أن تخرج منهم من هو أحفظ منك، أو يُساويك في الحفظ، فتذهب رياستك.
قلت: فإن سمعت الحديث، وكتبته حتى لم يكن في الدنيا أحفظ مني؟ قالوا: إذا كبرت وضعفت، حدثت واجتمع عليك الأحداث والصبيان، ثم لا تأمن أن تغلط فيرموك بالكذب، فيصير عارًا عليك في عَقبِك.
فقلت: لا حاجة لي في هذا.
قلت: فإذا حفظت العربية، وتعلمت النحو ما يكون آخر أمري؟ قالوا: تقعد مُعلمًا، فأكثر رزقك ديناران إلى ثلاثة.
قلت: وهذا لا عاقبة له.
1 / 25