إن المتأمل في تاريخ الصحابة ﵃، ليرى إخلاصهم، وصدق إيمانهم، ومحبتهم لله ولرسوله ﷺ، وأنهم قد بلغوا في ذلك درجة لم يبلغها أحد ممن بعدهم، مع تقيدهم بنصوص الوحي، "كتاب وسنة" ووقوفهم عندها، ومتابعتهم لها، فلا يتقدمون بين يدي الله ورسوله، برأي، أو عادة، أو تقليد، أو رغبة وشهوة، ولا يُحدِثون أمرا إلا بعد التلقي عن رسول الله ﷺ، ومعرفة أمره ونهيه، كما يَرَى حَمَاسَهم، وعُلُوّ هِمَمهم، ورغبتهم القوية في نشر الدين والجهاد في سبيل الله والقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذه الخصال الثلاث (الإخلاص والمتابعة والهمة العالية) هي أساس وجود العمل وصلاحه، وعناصر الإحسان والبناء الحضاري المُثْمِر والنافع، ولذا فإنه لا يَخْطُر ببالهم المساومة على العقيدة وحرماتها، ولا الموازنة بينها وبين غيرها، لأنهم قد انْصَبَعُوا بالصبغة الربانية، والتعاليم النبوية حتى كأن أحدهم في تَحَرُّكِهِ وعمله، قرآن يُتْلَى وَسُنّة تُحْتَذَى، ومثل واقعية في حركة أشخاص يَدُبّون على الأرض، ورغبتهم في الآخرة وتعلقهم بها أعلى من وجودهم المادي، حتى كأن أنفسهم قد خرجت من حصّ أنفسهم الدنيوي، كما يرى أثرهم القيادي والمؤثر في تاريخ البشرية وتوجيهها إلى منهج الله وبناء الحضارة على مقتضى ذلك.
"وبهذا كانوا مَوْضِعَ محبّة كل مؤمن جاء بعدهم، وعرف كل مسلم لهم فضلهم ومنتهم، وأنهم سبب في وصول نعمة الإيمان والإسلام إليه، فينطق جَنَانه ولسانه بما عَلّمه ربه نحوهم ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ (^١) إذ لا يطعن في الصحابة إلا ذو غلّ في قلبه ودغل في عقيدته ودينه وكراهية لما بلغوه من هذا الدين العظيم - نعوذ
_________
(^١) سورة الحشر، آية (١٠).
1 / 10