وأشهر، أتته الدنيا فأباها، والرياسة فنفاها، عرضت عليه الأموال، وفرضت عليه الأحوال، وهو يرد ذلك بتعفف وتعلل وتقلل. ويقول: قليل الدنيا يجزى وكثيرها لا يجزى، ويقول: أنا أفرح إذا لم يكن عندى شئ. ويقول: إنما هو طعام دون طعام، ولباس دون لباس، وأيام قلائل.
وقال اسحاق بن هاني: بكّرت يوما لأعارض أحمد بالزهد (^١). فبسطت له حصيرا ومخدّة. فنظر إلى الحصير والمخدة، فقال: ما هذا؟ قلت: لتجلس عليه.
فقال: ارفعه، الزهد لا يحسن إلا بالزهد. فرفعته، وجلس على التراب.
وقال أبو عمير عيسى بن محمد بن عيسى - وذكر عنده أحمد بن حنبل - فقال: ﵀، عن الدنيا ما كان أصبره، وبالماضين ما كان أشبهه، وبالصالحين ما كان ألحقه. عرضت له الدنيا فأباها، (والبدع فنفاها)
وأما الخصلة السابعة، وهى قوله «إمام فى الورع» فصدق فى قوله وبرع، فمن بعض ورعه:
قال أبو عبد الله السمسار: كانت لأم عبد الله بن أحمد دار معنا فى الدرب، يأخذ منها أحمد درهما بحق ميراثه. فاحتاجت إلى نفقة لتصلحها، فأصلحها ابنه عبد الله، فترك أبو عبد الله أحمد الدرهم الذى كان يأخذه، وقال: قد أفسده علىّ.
قلت: إنما تورع من أخذ حقه من الأجرة، خشية أن يكون ابنه أنفق على الدار مما يصل إليه من مال الخليفة.
ونهى ولديه وعمه عن أخذ العطاء من مال الخليفة. فاعتذروا بالحاجة، فهجرهم شهرا لأخذ العطاء. ووصف له دهن اللوز فى مرضه. قال حنبل: فلما جئناه به.
قال: ما هذا؟ قلنا: دهن اللوز، فأبى أن يذوقه. وقال: الشّيرج. فلما ثقل واشتدت علته جئناه بدهن اللوز. فلما تبين أنه دهن اللوز كرهه ودفعه، فتركناه ولم نعد له. ووصف له فى علته قرعة تشوى ويؤخذ ماؤها. فلما جاءوا بالقرعة
_________
(^١) أى ليقرأ عليه كتاب الزهد الذى ألفه أحمد
1 / 10