تَسَوَّرَ الْجِدَارَ عَلَيْهَا لِيَكْفِيَهَا مَئُونَةَ الطَّحِينِ، فَكَانَ قَدْ فَهِمَ ذَلِكَ خَدَمُ جِيرَانِهِ، فَكَانَتِ الْخَادِمُ مِنْهُنَّ إِذَا رَأَتْهُ فِي اللَّيْلِ فِي دَارِهَا فَهِمَتْ أَنَّهُ إِنَّمَا جَاءَ لِيَحْمِلَ عَنْهَا مَئُونَةَ الطَّحِينِ، قَامَتْ تَرْقُدُ، وَخَلَّتِ الْمَطْحَنَةَ إِلَيْهِ يَتَوَلاهَا لَهَا، وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا، أَنَّ رَبَاحَ بْنَ يَزِيدَ، قَالَ: رُضْتُ نَفْسِي عَلَى تَرْكِ الْمَآثِمِ حَوْلا، فَبَعْدَ حَوْلٍ ضَبَطْتُهَا، وَرُضْتُ لِسَانِي عَلَى تَرْكِ مَا لا يَعْنِينِي فَبَعْدَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً ضَبَطْتُهُ.
قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ اللَّبَّادِ: قَالَ لِي أَبُو عُثْمَانَ بْنُ الْحَدَّادِ: إِنَّهُ لَيَغْلُبُ عَلَى ظَنِّي، أَنَّ هَذِهِ الرِّيَاضَةَ، إِنَّمَا كَانَتْ مِنْ لَدُنْ بَلَغَ، لأَنَّهُ مَاتَ ابْنَ ثَمَانٍ وَثَلاثِينَ سَنَةً، وَكَانَ قَدْ حَمَلَ نَفْسَهُ عَلَى الاجْتِهَادِ، حَتَّى لَقَدْ بَلَغَنِي، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: كُنْتُ أُحِبُّ الصِّحَّةَ فَلَمَّا ضَعُفْتُ عَنِ الْعَمَلِ أَحْبَبْتُ الْمَرَضَ.
قَالَ أَبُو الْعَرَبِ: وَمَاتَ رَبَاحٌ قَبْلَ الْبُهْلُولِ، وَمَاتَ الْبُهْلُولُ سَنَةَ ثَلاثٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ، فِيمَا قَالَ لِي سَعِيدُ بْنُ إِسْحَاقَ.
قَالَ أَبُو الْعَرَبِ: وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا بَعْضُ مَشَائِخِنَا، قَالَ: جَازَ رَبَاحُ بْنُ يَزِيدَ بِابْنِ غَانِمٍ وَبِيَدِ رَبَاحٍ قِسْطُ زَيْتٍ، فَقَالَ ابْنُ غَانِمٍ لَهُ: أَحْمِلُهُ لَكَ يَا أَبَا يَزِيدَ؟ قَالَ: شَأْنُكَ، وَابْنُ غَانِمٍ إِذْ ذَاكَ عَلَى الْقَضَاءِ، فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ، وَجَعَلَ رَبَاحُ بْنُ يَزِيدَ يَشُقُّ بِهِ مَجَامِعَ النَّاسِ، فَسَلَكَ بِهِ عَلَى حَوَانِيتِ الْبَزَّازِينَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى دَارِهِ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهَا قَالَ لَهُ رَبَاحٌ: أَتَعْلَمُ لِمَ فَعَلْتُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ غَانِمٍ: لا، فَقَالَ لَهُ رَبَاحٌ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَجِدُ فِي نَفْسِكَ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَضَعَ مِنْكَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ غَانِمٍ: جَزَاكَ اللَّهُ يَا أَبَا يَزِيدَ عَنِّي خَيْرًا.
قَالَ أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ اللَّبَّادِ: كَانَ
1 / 50