الدُّخُولَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِنَا»، فَقُلْتُ لَهُ: عَجُوزٌ خَلَّفْتُهَا بِالْقَيْرَوَانِ، وَأَنَا أُحِبُّ الرُّجُوعَ إِلَيْهَا، قَالَ: فَأَذِنَ لِي، أَوْ كَمَا قَالَ.
قَالَ أَبُو الْعَرَبِ: فَسَمِعْتُ مَنْ يُحَدِّثُ أَنَّهُ لَمَّا تَوَجَّهَ إِلَى إِفْرِيقِيَّةَ كَتَبَ إِلَى وَلَدِهِ وَخَاصَّتِهِ هَذِهِ الأَبْيَاتِ:
ذَكَرْتُ الْقَيْرَوَانَ فَهَاجَ شَوْقِي ... وَأَيْنَ الْقَيْرَوَانُ مِنَ الْعِرَاقِ
مَسِيرَةَ أَشْهُرٍ لِلْعِيسِ نَصًّا ... عَلَى الإِبِلِ الْمُضَمَّرَةِ الْعِتَاقِ
فَأَبْلِغْ أَنْعُمًا وَبَنِي أَبِيهِ ... وَمَنْ يُرْجَى لَهَا وَلَهُ التَّلاقِي
بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ خَلَّى سَبِيلِي ... وَجَدَّ بِنَا الْمَسِيرُ إِلَى مَزَاقِ
قَالَ أَبُو الْعَرَبِ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنِي صَاحِبٌ لِي، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمٍ، أَنَّهُ قَالَ: أُسِرْتُ أَنَا وَجَمَاعَةٌ مَعِي، قَالَ: فَرُفِعْنَا إِلَى الطَّاغِيَةِ، قَالَ: فَبَيْنَمَا نَحْنُ فِي حَبْسِهِ، إِذْ غَشِيَهُ عِيدٌ فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا فِيهِ مِنَ الْحَارِّ وَالْبَارِدِ مَا يَفُوقُ الْمِقْدَارَ، فَبَيْنَمَا نَحْنُ كَذَلِكَ، إِذْ خَطَرَتِ امْرَأَةٌ نَفِيسَةٌ عَلَى الطَّاغِيَةِ، فَأُخْبِرَتَ بِحُسْنِ صَنِيعِ الْمَلِكِ بِالْعَرَبِ، فَمَزَّقَتْ ثِيَابَهَا وَنَشَرَتْ شَعْرَهَا وَسَوَّدَتْ وَجْهَهَا، وَأَقْبَلَتْ إِلَيْهِ بِمَنْظَرٍ شَائِهٍ، فَقَالَ: «مَا لَكِ»، فَقَالَتْ: إِنَّ الْعَرَبَ قَتَلُوا ابْنِي وَزَوْجِي، وَأَبِي، وَأَخِي، وَأَنْتَ تَفْعَلُ بِهِمُ الَّذِي رَأَيْتُ، فَأَغْضَبَتْهُ فَنَحَرَ وَصَلَبَ، وَقَالَ: «عَلَيَّ بِهِمْ»، فَصِرْنَا بَيْنَ يَدَيْهِ سِمَاطَيْنِ، وَأَمَرَ سَيَّافَهُ بِضَرْبِ عُنُقِ وَاحِدٍ بَعْدَ وَاحِدٍ حَتَّى قَرُبَ الأَمْرُ مِنِّي فَحَرَّكْتُ شَفَتَيَّ، وَقُلْتُ: اللَّهُ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، قَالَ: وَأَبْصَرَ فِعْلِي، قَالَ: قَدِّمُوا شِمَاسَ الْعَرَبِ، يُرِيدُ: عَالِمَهُمْ، فَقَالَ: " لَعَلَّكَ قُلْتَ: «اللَّهُ اللَّهُ رَبِّي
1 / 31