واستعرضت المنظمات والأحزاب:
فإذا هنالك عروبة هي، حين تنقى، طقطقة مسبحة، وفناجين قهوة، وتندر بطرائف بالية، ونكات هرمة، ومحاولة لعصر قنينة فارغة، وشيزوفرنيا، ذلك النوع من الجنون الهادئ اللذيذ، إذ ينطوي المصاب على شخصيته، ويبايع نفسه ملكا في مملكة الأحلام والأوهام.
وهي، أي العروبة، في فريق ثان، كبريت من التعصب الأكال.
وإذا هنالك لبنانية، حين تصفو، تتلاشى أغنية في موال عتابا، وتذوب نشوة في كأس عرق، وقد تتصلب بطولة معكوسة في ضربة عصا، أو تتجسد خنوعا في وفد ينحدر لتهنئة وزير، وتشرئب ثورة كاسحة في تلغراف احتجاج على شاويش المخفر. هؤلاء هم قرويو ضيعة يدعون أنهم مواطنو أمة.
وهي هذه اللبنانية، إذ تعكر وتموج، تمسي بطولة في معارك ما حدثت، وكركرة الماء في أركيلة ليس فيها تنباك، وشوكة تصوب إلى عين الجار، فيما يقال: إنها سيف في وجه الغريب.
ثم هنالك عقائد أجنبية، إحداها الشيوعية، وهي الظل الأسود للغيمة الحمراء العالقة في سمائنا، مترقبة اللحظة الحاسمة كي تنفجر وتنهمر نارا ودمارا وكفرا وجرائم. يمرح في عتمة هذا الظل الأسود جماعة من المهووسين، والمأجورين، والناقمين، وفئة مخلصة جربت ما توهمته مليحا فوجدته قبيحا، فجاءت تجرب هذا القبيح أملا بأن تجده مليحا، فتعلقت بهذا القطار المسرع نحو الهاوية.
وفي الزمن الأخير، قيل لفتى: إنه نبي، فراح يفتش عن رسالة، ويلملم بخرقة مرقعة من مختلف الأنسجة والأمزجة، تمتص ما تسرب من براميل العقائد، ما تفسخ منها وما تكسر، سائلا عديم اللون والطعم والفعالية، ولكان عديم الرائحة لولا أن رشت عليه حفنة من بهارات الهند وفلافلها؛ هذا الخليط من السوائل صبه فتانا في قالب إقطاعية وبلبلة تفكير، ونادى به على الناس أنه اشتراكية تقدمية، تكفل الشفاء من الأمراض جميعها، وقد يكون أقرب الأشياء التي تشابها كيس الخيش الذي نستورده من الهند، والذي لا يقف إلا حين يمتلئ بمحصول غريب عن وعائه، على أن في أعلاه من الشيوعية زيحا أحمر.
وفي هذا البلد منظمات كصواني المعابد يطاف بها لاستجداء المال، وغيرها لاستجداء النفوذ، وتشكيلات رجعية جديدة، كلها ثقوب مستحدثة في غربال متهرئ عتيق.
هذا والشعب في نقمته، متفرق في ركدته وجهوده؛ فمنهم من يرفه عن نفسه إذ يتثاءب في مقالة واعظة، أو من يفرج عن كربته بشتيمة، ومنهم من يبرئ ذمته بالدعوة إلى مساعدة الفقراء والمظلومين، فيما هو ينتعش من تخمة لينغمس في تخمة، ويفرغ من عد أرباح صفقة، ليرتب أرباح صفقة.
ومنهم من يهمهمون ويهمون، ولا يعزمون ولا يفعلون.
अज्ञात पृष्ठ