ताम्मुलात
تأملات: في الفلسفة والأدب والسياسة والاجتماع
शैलियों
من المعوقات لنا عن السير إلى الأمام أن نتجاهل وجود الإنكليز في بلادنا وهم موجودون بالحس، وننكر سلطتهم بالفعل جريا وراء قواعد القانون الدولي فنغير القواعد كل يوم، وسلطتهم الفعلية هي المرجح في كل مسائلنا المصرية الداخلية منها والخارجية في يدهم كثير من الوسائل لرقينا، فإعراضنا عن هذه الوسائل لا يفسر إلا بأننا نزهد في نتيجتها وهي القوة والاستقلال، ولو لم نكن جربنا هذا الإعراض لكنا معذورين، ولكننا جربناه فكانت النتيجة ما رأيناه، فليس إلا أن نشتغل من جانبنا لمصلحتنا، ونحملهم - والحالة الدولية الخارجية كما ترى - على أن يسيروا معنا لتحقيق وعودهم ولنسهل عليهم الواجب الذي ادعوا أنهم يحملونه على عاتقهم، لو فهمنا ذلك فهما صحيحا وطالبنا بإلحاح أن يشركونا في التشريع وفي إدارة البلاد على القدر الذي تسمح به الظروف الآن، لاستعملنا وقتنا في مصلحتنا دائما ولما تركنا حاضرا معطلا من العمل والمستقبل ليس بيدنا ولا بيدهم ولكنه بيد الله.
لو سلكنا هذا الطريق ونجحنا فيه لحققنا مقدارا من سلطة الأمة نستخدمه هو نفسه بالعمل للحصول على ما يبقى منها بالزمان.
فأما كون الأمة ضعيفة والروابط الاجتماعية متحللة وسلطة الأمة معدومة فهذا قول سطحي صرف.
لا أستطيع أن أصدق أن أمة كأمتنا جامعة بين الاستعداد الاجتماعي والاستعداد العلمي تفقد قوميتها أو سلطتها متى وقعت في أعراض المرض والضعف بل الواقع يشهد أن أمة كهذه يستحيل أن تحكم عن رغم إرادتها أو تغلب على حريتها إلا إذا كان لرضاها من ذلك نصيب عظيم، وإن سلطة الأمة موجودة بالفعل إن لم تكن معترفا بها بالقانون، موجهة إلى غير طريقها الطبيعي؛ لأن الأحكام الماضية قد وجهتها إلى الرضى بالاستبداد قاعدة للحكم، كما وجهت غيرهم من الأمم العربية إلى ذلك، فليس همنا إيجاد سلطة الأمة من العدم وأستغفر الله - ولكن همنا هو تحويل السلطة الحالية التي تصرفها الأمة تصريفا غير طبيعي في خدمة غيرها إلى الوجهة العليا وجهة الحرية السياسية، وجهة خدمة نفسها واحتمال مسئولية شؤونها، ولا طريق لذلك إلا التعليم والتربية أن نوغل فيهما إلى حد يجعل الاعتقاد عاما بأن السعي في تحقيق سلطة الأمة هو أول الواجبات الوطنية على الوطنيين.
إذا كان الاحتلال الإنكليزي يستحيل أن يدوم إلى الأبد، وإذا كانت سلطة الأمة لا تلبث أن توجه بالتربية والتعليم إلى وجهها العالي النافع؛ وإذا كان عمر الأمة يعد بالأجيال لا بالسنين، فمن قصر النظر وضيق الصدر وقلة التفكير أن ننظر إلى المستقبل بنظارة سوداء أو أن تأخذنا الخفة بالشطط فنتخطى المقدمات إلى النتيجة جهلا بطبائع الوجود، بل الواجب علينا أن نتكاتف جميعا على انتشال الأمة من مراقد الضعف، وأن نغرس اليوم معتقدين أن ما نفعله اليوم نلقاه غدا، وأن نصبر على مبادئنا لا ننتظر أن نجنيها قبل أن تأخذ نماءها الطبيعي وتنتج ثمرها المطلوب.
في سبيل الارتقاء1
يكاد يكون من المضحك أو من المحزن أننا حتى اليوم لا نزال نبحث في وسائل انتقالنا من الحال الأولية - حال الضعف والجهل - إلى حال من القوة والعلم، متناسبة مع مقتضيات الزمن الحاضر، وكان من اللازم أن نكون قد فرغنا من القواعد العمومية من عشرات من السنين وصرفنا كل همنا في تطبيقها على الجزئيات اليومية، ولكننا مع الأسف لا تزال أكثريتنا بين يائس من الإصلاح جهلا بطرائقه، وبين عارف طريق الإصلاح، ولكنه يراه طويل المسافة بعيد النتيجة فينكب عنه إلى طريق خيالي صرف ، طريق التحمس وتنبيه شعور العامة تنبيها لا يجدون من قوتهم له منفذا، ولا من الظروف الحاضرة له مساعدا، فينقلب أمرهم من التنبه الاصطناعي إلى اليأس من كل شيء؛ لأن تنبيه شعور الإنسان تنبيها يوميا مستمرا إلى سوء حالهم مع عدم الانتفاع بهذا التنبه في الأعمال المشروعة الهادئة، إنما يكون في ظروف الاضطراب، وفي حال الاعتقاد بأن طريق الرقي هو استعمال القوة اعتسافا، وهذا طريق خطر السلوك عقيم النتيجة.
نحن لا نعرف في بلادنا أحدا معينا يعتقد أن سبيل ارتقائنا هو غير السلام، فإن الأقلام في مصر مجمعة على أن السلام هو الطريق الوحيد حتى أشدها تحمسا، وأدخلها في باب الطيش والتغرير، ولكن بعض الكتاب من الشبان أو غير المسئولين عن شيء في مصر قد دأبوا على أن يضربوا الأمثال في كتاباتهم بالحركات الأجنبية لا على القدر اللازم الكافي في العبرة والتبصرة، ولكنهم يكيلون منها كل يوم حتى بلغ من بعضهم عدم التبصر أن يبرر عمل الغادرين من غير أن يحسب النتائج التي تترتب على تبريره هذا والمثل السيئ الذي يضربه للشبان، فيقع من حيث لا يشعر في المذهب السيئ من مذهب الذين يظنون أن مصر ترقى بغير السلام.
أعترف أن مذهب التطور والارتقاء مذهب لا تأخذ طرائقه بالأبصار ولا تخلب الألباب، وإن كانت نتائجه باهرة لمن يستطيع العمل من غير جلبة، والصبر اللازم لانتظار نتائج العمل. والواقع أن الارتقاء لا يكون إلا بالتعليم والتربية، فأي مظهر يسحر أنظار الجمهور من مظهر معلم كفء في مدرسته يصلح عقول الأحداث ويهذب طبائعهم ويحول ميولهم إلى حب الخير، والجري في مجرى الحق والعدل؟ فما هو إلا جيل واحد - لا يعد لحظة في حياة الأمة - حتى يتبدل الوطن بساكنيه متحللي الروابط، رجالا قادرين بعقولهم وأخلاقهم وقوتهم على إعلاء شأنه والتشبث بإسعاده نتيجة باهرة، ولكن طريقتها منزوية عن العيون لا تبلغها حواس العوام ولا تحفل بها، بل لا تساوي عندهم في طريق الوطنية والعمل للوطن أصغر القيم، بل لا تساوي في الوطنية أن يجرجروا بأيديهم عربة كاتب يكتب لهم ما يرضيهم لا ما ينفعهم، أو تقليد من يخرج من السجن في جنحة قذف وسام شرف وفخار، أعترف بذلك ولكني لا أعترف من جهة أخرى أن العوام هم الذين نأخذ عنهم سبل تقدم البلاد، فحسبنا ما نألمه إلى اليوم من الطباع التي نقلها لنا العوام بحبهم الظلم وتجافيهم طرائق التربية والتعليم، يفرحون بالتحمس الفارغ، ويفرقون من جرائه، حتى إذا فشل قائدهم أصبحوا عليه أنصارا يحرجون مركزه ويسيئون إليه، ويولونه بعد الاحترام احتقارا وبعد النصرة خذلانا.
طريق التربية والتعليم هو الموصل الوحيد، ولكنه - كما يقولون - لا براق الرداء ولا حاضر النتيجة، فإنه كما لا يفرح به العوام جهلا بنتائجه، ومن جهل شيئا عاداه، كذلك لا تتفق مشاعر الشبيبة الغضة على اتخاذه والإيمان به؛ لأن انتظار نتائجه يخالف مزاج الشباب. وأخص صفات الشباب العجلة، وأخص ميوله الظهور بالقوة والبأس من غير أن يحسب مقدار قوته، والشباب من كرمه وطيب قلبه يحب التضحية يأتيها بغاية السهولة من غير نظر ولا تدبر، فهو بذلك يستسهل الصعب، بل قد يبغي المستحيل؛ لذلك كان الشباب الغض أنفع الأطوار الإنسانية في المخاطرة، ولكنه بقلة تجربته وعدم اعتياده على حساب النتائج، لا بد له ممن يحسب عنه، ويبين له الطريق المنتج من الطريق العقيم.
अज्ञात पृष्ठ