ताम्मुलात
تأملات: في الفلسفة والأدب والسياسة والاجتماع
शैलियों
عسى أن يقع ما نقول من مشاعر الشبيبة موقع القبول؛ فيقبلوا على وسائل العلم بمصر القديمة، وعسى أن يجيب علماء الآثار القديمة الفرعونية والعربية نداءنا فينفعوا الناس بمحاضرتهم وخير الناس أنفعهم للناس.
آثار الجمال وجمال الآثار1
لا أظن أنه يوجد إنسان صحيح لا يشعر في نفسه بتأثير الجمال أو لا تتحرك عواطفه حركة لذيذة أو مقبولة توجب الرضا برؤية الجميل، ولقد تختلف أذواق الأفراد والأمم اختلافا قليلا في تحديد جمال الأشخاص والأشياء تبعا لتربية الخاصة النفسية التي تتعرف الجمال، فكلما كانت هذه الخاصة التي نسميها الذوق مصفاة من شوائب الخشونة بحكم التركيب الجسماني والوراثة ودرس الفنون الجميلة، كانت النفس أكثر إحساسا بالجميل وأدق حكما في الجمال، ومهما كان رأي جماعة الزهاد في الدنيا الذين لا يقيمون وزنا للذائذ الإنسانية ولا يحفلون بالصور الجميلة.
وجماعة الفانين في كسب الأموال الذين يجدون ما عدا ذلك في الحياة من سقط المتاع، فإن إجماع بني آدم أصحاء الأجسام والعقول، واقع على نفوسنا هي أيضا كأبداننا محتاجة إلى الغذاء، ومن أطيب غذائها الجمال، فإن مشاهدته حيث كان تلقي في نفس الإنسان سكونا يلطف آثار حركات المشاغل وينوع حال المشاعر فيحميها من الكلل والسآمة ويعيد قوتها سيرتها الأولى، فإذا كان الجمال على هذا القدر من تغذية الروح الإنسانية، كان تعرفه بمرانة النفس على رؤيته حيثما كان، من الأمور الضرورية للعيشة المدنية والتربية الإنسانية، لا أنه - كما يزعمون - أمر كمالي صرف يتشبث به أهل البطالة وأتباع الهوى وخفاف الهموم.
زعم باطل وإغراق في اعتبار الحياة حمأة آلام يتمرغ فيها الأحياء لا يذوقون فيها من طعوم اللذة إلا تنقلا من ألم قديم إلى ألم جديد! إذ ليس ذلك ما يشعر به عامتنا نحن الأحياء.
نحن لا نعرف ماهية الجمال، ولا يهمنا الآن البحث عن ذلك ما دامت تشعر به أنفسنا من غير تعريف منطقي، يقولون: إن الجمال هو عبارة عن مظهر أسرار الكمال في هذا العالم المادي، أو إنه مرآة حسن التأليف بين الصور والألوان، ويقولون غير ذلك.
ولست أظن أنه يهمنا كثيرا أن نسبح فيما وراء الطبيعة لنرجع بتعريف للجمال، وهو هو بعينه ذلك الذي نشعر به في أنفسنا عند رؤية ما نسميه الجميل، سواء كان هذا الجميل مخلوقا حيا أو جامدا أو فعلا من الأفعال التي تهز عواطفنا، أو معنى من المعاني التي تقع من النفس موقع الجميل بالحس، وإذا كنا حاصلين على معنى الجميل بالفعل داخل نفوسنا فخير من تلمس حدوده فيما وراء معلوماتنا، أن نستمتع بآثاره إذ الواقع أن الجمال معنى من المعاني القدسية التي لا تزال محجبة عن أبصارنا الكليلة، مصونة عن التدهور في هاوية أبحاثنا الوضعية، رفيعة عن إدراكنا المحدود، ومع ذلك فإن آثاره مادية نراها بأعيننا في الصور الحية وفي التماثيل الجميلة، ونسمعها في أصوات الموسيقى، ونشعر بها روحا تفيض على مشاعرنا رضى بمشهد الأعمال العظيمة أو بسماع أخبارها، ذلك الأثر السعيد أثر الجمال، هو الذي يجب علينا أن ننمي مقداره في أنفسنا؛ لنحصل بها على أكثر ما نستطيع من العيشة الراضية.
إن تربية الحس الصادق الذي يتعرف الجمال ويتأثر منه، ليست على ما نظن خاضعة لقوانين معينة؛ لأنها هي تربية الذوق، والذوق شيء ليس في الكتب، على أن نبوغ مصور التماثيل أو رسام الألواح أو صانع التحف أو الموسيقي ليس نتيجة لازمة للعلم بأصول معينة بل هو إلهام من الله وفيض من الفيوض، أو كما يقولون: استعداد خاص قد تفسده قوانين العلم، وينميه في نفس العبقري خروجه في صناعته عن حدود المألوف.
أجل! إن أرباب الفنون الجميلة في كل زمان لم يقيدوا حريتهم عمدا بأقيسة فنية، ولكنهم كانوا دائما خاضعين لانفعالاتهم الذاتية المتولدة عن عقائدهم ومشاعرهم ومشاعر أهل زمانهم وحاجات البيئات التي نشأوا فيها؛ ولذلك كانت آثار الفنون الجميلة في كل عصر من العصور مؤتلفة غاية الائتلاف مع عقائد ذلك العصر ومشاعره وحاجاته واصطلاح الجمال فيه، فترى من السهل على كل ذي إلمام بالتاريخ والآثار أن يعرف الأثر الذي تقع عينه عليه، في أي العصور صنع، ومن أي البلاد هو، فإن هذه الآثار الصامتة تحدث الذي يعرف أن يسمعها، تحدثه بأهل زمانها صادقة، كما قيل: إن أصدق الكتب هو ما كتب بالحجارة.
ليس الحس الصادق الدقيق في معرفة الجمال محلا لتربية معينة ذات أوضاع متفق عليها، كذلك لا يعرف التاريخ أن أمة من الأمم - مهما كانت آثار فنونها الجميلة ذات شخصية مستقلة عن غيرها - قطعت النسب بين فنونها الجميلة وغيرها، ونبغت فيها، بل التاريخ يدل على أن الفنون الجميلة الفرعونية، إنما كان أصلها من أثيوبيا دخلت عند المصريين، فأخذت طابع عقائدهم الخاصة ومشاعرهم وحاجاتهم فتغيرت عن أصلها وصارت ذات شخصية مستقلة، فلما أخذها اليونان عنهم تغير شكلها تبعا لعقائد اليونان ومشاعرهم أيضا، فلما أخذها عنهم الرومان تغيرت تغييرا جديدا، وإن كان هؤلاء لم يتفوقوا فيها على أساتذتهم اليونانيين، وهكذا أخذت الفنون الجميلة العربية من غيرها وكانت في بدئها خليطا ثم أفاضت عليها الروح العربية الإسلامية جمالها الخاص فأصبحت ذات شخصية مستقلة عن غيرها مميزة عما عداها، سواء كان ذلك في الأنغام الموسيقية أو في تحف الآثار والصناعة الفنية والرسم والتماثيل، وإن كانت الصور والتماثيل قليلة في الفنون الجميلة العربية، إلا أن الذي وجد منها في بعض الآثار كالحمراء بغرناطة، والقصر في إشبيلية، وفي دار المستنصر وغيره من بعض الملوك والخلفاء، قد دل أهل الفن على أن الرسم والتصوير في الإسلام لهما طابع خاص.
अज्ञात पृष्ठ