3 رقيق الأرض... كيف يموت! * ثمن النخيل: لاحت لعينى النخلات الباسقات، المنبعثة من فناء الدار! ورأيت طلعها النضيد متدليا على عراجينها لما يحمر بعد. فخطوت إلى الأمام فى تؤدة، غير أن أفكارى كانت تدور على نفسها لا يعقد بينها نظام ترى كيف سأجد الرجل الراقد فى فراشه منذ أسابيع؟ إن مرضه استنفد ما لديه من مال! ثم تضاحكت فى مرارة وأنا أقول: مال؟ وأى مال يمتلكه هذا المسكين الذى يشق طريقه فى الحياة شبرا شبرا، ويعارك فى ميدان لا يجد فى أرضه ولا فى سمائه ولا فيما بينهما إلا التنكر والعدوان. وها قد سقط مريضا كما يسقط الجندى الباسل فى معركة لا شرف فيها ولا إباء ولا نجدة! ورجعت بصرى إلى النخلات الباسقة وقد اقتربت منى كثيرا، بعد قليل سأكون عند مغارسها! فى صحن الدار التعسة، وإلى جانب رب الدار الثاوى فيها بين الحياة والموت!! وولجت حارة ضيقة، ثم وقفت على وصيد مهجور، وقرعت الباب بلطف، فارتفع صوت يقول لى: تفضل. صوت اجتهد صاحبه أن يعطيه شيئا من القوة، لا قوة الجسم! فإن الجسم متخاذل سقيم، ولكنها قوة النفس التى تعتبر عواد المريض ضيوفا يجب أن يقابلوا بترحاب وبشاشة، مهما بلغ من غض الزمن وإقتار اليد! ودخلت متصنعا الابتسام والتفاؤل. وجلست على الحصير إلى جواره أسئله وأداعبه، بيد أن هذا التمثيل المتكلف لم يخف من جوانب الحقيقة الكريهة شيئا! فقد كان الرجل الممدد يعانى آلاما مبرحة ولم تكن علته من داء واحد بل تظاهرت عليه أمراض عديدة نبتت كلها أو جلها من سوء التغذية، وطول الإرهاق، وفساد الحياة، وظلم البيئة، وتركته هذه الأمراض كأمثاله من الفلاحين البائسين خشن الجلد، مغضن الجبين، مشوه الملامح، لا تكاد تضربه نزلة برد حتى يستسلم لها. كأنه ابن سبعين سنة لا شاب لا يتجاوز بعد الثلاثين!! وهمس المريض يقول: لقد ذهبوا بى أمس إلى الطبيب.. ص _051
पृष्ठ 51