preferables )؛ أي الأشياء اللافارقة الملائمة للإنسان بادي الرأي، بتحفظ، ومن غير لهفة زائدة؛ حتى لا نجعل صدمة الإخفاق تنال من سعادتنا وهنائنا، فلتسع إلى ما يناسبك «ولكن احرص ألا تدع التنعم به يجعل منك مدمنا له معتمدا عليه، كيلا تبتئس إذا ما فقدته يوما ما» (7-27). «... وتذكر أن محاولتك كانت بتحفظ. إنك لم ترد أن تعمل المستحيل، ماذا تريد إذن؟ جهدا ما مقيدا بشرط. ولقد حققت هذا» (6-50). «بلا زهو تقبل الرخاء إذا أتى، وكن مستعدا لفقدانه إذا ذهب» (8-33). (9) التعامل مع العقبات
ترتبط فكرة التحفظ في السعي إلى الأهداف بفكرة أخرى تتصل بالتعامل مع المصاعب. فإذا كان الخير هو السلوك العقلاني الفاضل، فماذا لو صادفتنا العوائق واعترضت سبيلنا العقبات؟ يجيب ماركوس ببساطة: لا شيء، ستكون تلك فرصة أخرى لممارسة الفضيلة: «... إن العقل لديه القدرة، بطبيعته وبإرادته، على أن يمضي خلال كل عقبة. في جميع الكائنات العضوية الأخرى فإن أي أذى يلحق بأي منها يجعله أسوأ في ذاته، أما في حالة البشر فإن الشخص في الحقيقة يصبح أفضل وأجدر بالثناء إذا استخدم الظروف التي تصادفه استخداما صحيحا» (10-33). «فإذا اعترض أحد سبيلك بالقوة فتذرع بالهدوء، وحول العائق إلى تمرس بصنف آخر من الفضيلة» (6-50). «هل اعترضك عائق في سعيك إلى شيء ما؟ إذا كان سعيك حقا غير مشروط فسيكون هذا العائق بالتأكيد مؤذيا لك ككائن عاقل. أما إذا قبلت المسار المعتاد للأشياء فليس ثمة من أذى بعد ولا عائق، أترى ... لا أحد سواك سوف يعوق الوظائف القويمة للعقل؛ فلا الناس ولا الحديد ولا الطغيان ولا السب يمكن أن يمس العقل؛ فمنذ أصبح العقل دائرة مكتملة فإنه ما يزال في وحدته دائرة مكتملة» (8-41). «تلك القوة الحاكمة بداخلنا، حيثما كانت في توافق مع الطبيعة، تتخذ موقفا مرنا من الظروف، وتكيف نفسها دائما بسهولة ويسر مع ما يعرض لها من أحداث؛ فهي لا تتطلب مادة معينة لعملها، بل تتجه إلى غرضها بأسلوب تكيفي فتحول أي عقبة في طريقها إلى مادة لاستعمالها. إنها أشبه بنار تسيطر على أي شيء يسقط في جوفها. قد تنطفئ الجذوة النحيلة إثر ذلك، أما النار المضطرمة فتتملك المادة التي تركم عليها، وتلتهمها وتنزو فوقها بفضل هذه المادة نفسها» (4-1). «قد تعيقني هذه الأشياء عن بعض نشاطي، نعم ولكنها لا تشكل عوائق أمام وجداناتي ونوازعي، من حيث إن بها يقبع الالتزام المشروط وقوة التكيف. إن العقل ليتكيف ويدور حول أي عائق للفعل لكي يخدم هدفه؛ فيحول ما هو عائق عن عمل معين إلى معين على ذلك العمل، ويحول العقبة في طريق ما إلى تقدم على تلك الطريق» (5-2). «إذن حيثما وقف عائق في طريقك فتقبل العائق كما هو وحول جهدك بحكمة لمواجهة الظرف القائم، وسرعان ما سوف يحل فعل جديد محل السابق متلائما مع هذا الوضع الجديد الذي نتحدث عنه» (8-32). ليس في هذه المداورة العقلية أي حيود أو زيغ عن طريق العقل: «يتحرك السهم بطريقة، ويتحرك العقل بطريقة أخرى، ومع ذلك فإن العقل، حتى عندما يمارس الحيطة أو يدور حول بحث معين، إنما يتحرك بنفس الاستقامة، ويمضي قدما في طريقه» (8-60). (10) منعة العقل
ذلك أن العقل من نفسه في حصن حصين، إنه بمعزل وبمنجاة من الأشياء الخارجية، «وما إن يسل نفسه ويكتشف قواه حتى ينفصل بذاته عن تقلبات الجسد» (4-3). وليس للأشياء الخارجية أي سلطان على العقل؛ إنها «هناك» ... خاملة محايدة لا تملك للعقل ضرا ولا رشدا. يقول ماركوس: «لا يمكن للأشياء ذاتها أن تمس النفس أقل مساس. ليس لدى الأشياء مدخل إلى النفس وليس بمكنتها أن تدير النفس أو تحركها. إنما النفس تدير ذاتها وتحرك ذاتها، وتقيم لنفسها ما تراه ملائما من الأحكام على ما يعرض لها من أشياء» (5-19). «لا تفرض الأشياء الخارجية، التي تطلبها أو تتجنبها، نفسها عليك فرضا، إنما أنت، بمعنى ما، من يخرج إليها. فليهدأ حكمك عليها وسوف تهدأ هي بدورها، ولن تراك تسعى إليها بعد ولا تتجنبها» (11-11). «الأشياء واقفة خارجنا، قائمة بذاتها، لا تعرف شيئا عن نفسها ولا تدلي بشيء، ما الذي يدلي إذن؟ عقلنا الموجه» (9-15). «ينبغي أن يبقى الجزء الموجه والحاكم من نفسك محصنا من أي مجرى يجري في الجسد» (5-29). «... فمن الخصائص التي ينفرد بها العقل أنه يعزل نفسه ولا يتأثر بنشاط الحواس أو نشاط الرغبات؛ فهذان النشاطان حيوانيان، بينما غاية النشاط العقلي أن يتسيد عليهما ولا يسلم قياده لهما؛ لأن طبيعته ذاتها هي أن يضع كل هذه الأشياء تحت إمرته» (7-55). «العقل الموجه هو ذلك الذي يوقظ نفسه، ويضفي على نفسه الطبيعة التي يريدها، ويجعل كل ما يحدث له يبدو على النحو الذي يريده» (6-8). وإذا كان الجسد يعاني أو يتألم فذاك شأنه، أما الروح فبمقدورها «أن تحتفظ بصفاتها وسكينتها وألا تقيم الألم على أنه شر؛ لأن كل رأي وحركة ورغبة ونفور هو في الداخل؛ حيث لا شر يمكن أن يبلغ إليه» (8-28). «العقل الموجه لا يكرث نفسه؛ فلا هو يروعها ولا هو يسوقها إلى الرغبة، فليروعها ما شاء أو يؤلمها فإنه بذاته وبحكمه الخاص لم يعمد إلى الالتفات إلى مثل هذه الحالات. فليحرص الجسد على تجنب الألم ما وسعه ذلك، ولتقل النفس الحاسة إني أخاف أو أتألم. أما العقل الذي يضع التقييم العام لكل هذه الأشياء فلن يعاني على الإطلاق؛ لن يندفع بنفسه إلى أي من هذه الأحكام؛ فالعقل الموجه بحد ذاته ليس به حاجة ما لم يخلق الحاجة بنفسه؛ ومن ثم فهو لا يضر ولا يعاق ما لم يضر نفسه أو يعق نفسه» (7-16). «وحتى إذا جرفك الطوفان فليأخذ جسدك البائس ونفسك الضئيل وكل شيء آخر، أما العقل فلن يأخذه» (12-13). «... والعقل بترفعه بنفسه يحتفظ بسكينته، العقل الموجه لا يعوقه الألم، وللأجزاء المتأثرة بالألم أن ترى فيه ما تراه» (7-33). (11) الضرر لا يكون إلا ذاتيا
يترتب على ما سبق أن ليس ثمة من أذى حقيقي يمكن أن يصيب الإنسان إلا ما يجره العقل على نفسه، وذلك حين يخطئ في أحكامه، ليس ثمة أذى إلا الأذى الذاتي. «هل أساء إليك أحد؟ إنما إلى نفسه أساء» (4-26). «لا أذى لك يقبع في عقل غيرك، ولا حتى في أي تبدل أو تغير لعطائك الجسدي. أين إذن يقبع الأذى؟ في ذلك الجزء منك الذي يضطلع بتكوين الأحكام عن الأذى. كف عن الحكم بأن بك أذى تكن قد سلمت منه. ولو أن أقرب شيء منه، وهو جسدك، تعرض لسكين أو كي، أو ترك ليتقيح أو يموت؛ فإن الملكة التي تحكم هذه الأحكام ينبغي أن تظل هادئة ...» (4-39). «إنما تؤذي النفس نفسها عندما تصبح كيانا منفصلا أشبه بورم على جسد العالم؛ فالسخط على أي شيء تجري به الأقدار هو تمرد انفصالي عن الطبيعة ... وحين تنأى بجانبها عن كائن إنساني آخر أو حين يلج بها الخصام فتعمد إلى إيذائه. تلك هي حال الأنفس التي استبد بها الغضب، وحين تستسلم للذة أو للألم، وحين تتكلف وترائي وتفعل أو تقول غير الصدق وغير الحق، وحين تفقد الهدف وتخبط خبط عشواء، فالفعل مهما صغر ينبغي أن يؤدى لغاية ويرمي إلى هدف. وغاية الكائنات العاقلة هي أن تتبع العقل وتلتزم قانون أقدم دولة وحكومة؛ العالم» (2-16). (12) الاستقلال عن إرادة الآخرين
يؤذي الإنسان نفسه حين يجعل سعادته معلقة على آراء الآخرين فيه وحديثهم عنه، ثم يريد أن يحصل عليها تسولا واستجداء! «إنه شحاذ إذا اعتمد على الآخرين ولم يذخر في نفسه كل ما يحتاج إليه في الحياة» (4-49). «السعادة تتعلق على تقدير الذات لذاتها، وما زلت تحرمها من ذلك وتعلق سعادتك على الآخرين؛ ذواتهم وآرائهم وتقديراتهم» (2-6). «ما جدوى المديح؟ لكأني بك ترفض هبة الطبيعة التي أودعتك إياها، والتي لا تعتمد على أقوال الآخرين، وتتشبث بشيء آخر» (4-19). «كل ما هو جميل على أي نحو من الأنحاء إنما هو جميل «في ذاته»، يذخر جماله في لبه وصميمه وليس المديح جزءا منه؛ فالمديح لا يجعل الشيء أفضل مما هو ولا أسوأ» (4-20). «لا تتلفت حولك لكي تنقب في عقول الآخرين، بل انظر أمامك، إلى ما تقودك إليه الطبيعة ...» (7-55). «ما أهنأ باله ذلك الذي لا يتطلع إلى ما يقوله جيرانه وما يفعلون وما يفكرون، بل ينصرف إلى أفعاله هو ليجعلها عادلة موقرة مشربة بالخير» (4-18). «كيف تفهم خيرك الخاص؟ عاشق الشهرة يجعل خيره في استجابات غيره، وعاشق اللذة يجعل خيره في خبرته السلبية. أما الحكيم فيرى خيره هو أفعاله ذاتها» (6-51). (13) تقبل قدرك
كل ما يصيب الإنسان هو مقدر له منذ الأزل، وملائم له لأنه ملائم لطبيعة العالم، وخير له لأنه خير ل «الكل»، وعلى المرء أن يرضى بنصيبه ويتقبل قدره؛ لأنه خير له من جهة، ولأنه لا مفر منه من جهة أخرى. «هل ألم بك شيء؟ حسن، كل ما ألم بك كان مقدرا لك من «الكل » منذ البداية ومنسوجا من أجلك» (4-26). «لا تحب إلا ما ألم بك ونسج لك من خيط مصيرك، فأي شيء أنسب لك من هذا؟» (7-75).
يقول سينيكا: «القدر يحدو العقلاء ويجرجر الحمقى.» ويقول ماركوس: «أسلم نفسك طواعية إلى «كلوثو»، إحدى إلهات القدر، ودعها تغزل خيطك على أي شكل شاءت» (4-34). «ما أشبه الإنسان المتبرم بكل شيء والساخط على كل شيء بخنزير الأضحية يرفص ويصرخ. كهذا الخنزير أيضا ذلك الإنسان الذي يندب، صامتا، في مخدعه كل القيود التي تربطنا بها. وحده الإنسان العاقل من ألهم أن يختار الاستسلام طوعا لما يحدث. على أن الاستسلام المحض ضرورة مفروضة علينا جميعا» (10-28). «مثلما نقول جميعا إن الطبيب قد «وصف» لهذا ركوب الخيل، ولهذا حمامات باردة، ولهذا المشي حافي القدمين؛ فإن لنا أن نقول بنفس المعنى إن طبيعة «الكل» قد «وصفت» لهذا المرء المرض أو العجز أو أي شيء آخر من هذه البلايا. في الحالة الأولى تعني كلمة «وصف» شيئا من هذا القبيل؛ أن الطبيب قد أوصى بهذا الإجراء لهذا الشخص لكي يجلب له الصحة. وفي الحالة الثانية تعني أن ما يقع لكل شخص هو مدبر بطريقة ما لكي يفضي إلى مصيره. ونحن نتحدث عن ملاءمة هذه الأحداث مثلما يتحدث البناءون عن ملاءمة قوالب الحجر في الجدران أو الأهرامات عندما يتراص بعضها مع بعض في وضع معين؛ ذلك أنه في كلية الأشياء ثمة توافق واحد، ومثلما تتحد الأجسام المادية جميعا لتجعل العالم جسما واحدا، كلا منسجما، كذلك تتحد الأسباب جميعا لكي تجعل القدر سببا منسجما واحدا. ذلك شيء يفهمه حتى أقل الناس علما؛ فهم يقولون «القدر أحدث له هذا.» فإن كان القدر «أحدث» فقد «وصف» أيضا. ولنقبل هذه الوصفات مثلما نقبل وصفات الطبيب؛ فكثيرا ما تكون قاسية ولكننا نقبلها التماسا للشفاء » (5-8). (14) المبادئ الرواقية جاهزة للاستعمال
حين يتم تدريب الحكيم الرواقي تغدو العقلانية فيه اعتيادا ذهنيا وتغدو الفضائل طبيعة ثانية، وتصبح مبادؤه العقلية ملازمة له لا تفارقه؛ لأنها جزء منه، «في تطبيقك لمبادئك كن كالملاكم لا المبارز أو المجالد
gladiator : فالمجالد مرتهن لسيفه الذي يستخدمه، يرفعه أو يسقط عنه ويقتل، أما الملاكم فلديه دائما يده، وليس عليه إلا أن يستخدمها» (12-9). «تماما مثلما أن الأطباء دائما جاهزون بأدواتهم ومباضعهم لعلاج أي حالة طوارئ، ينبغي أن تكون مبادؤك العقلية جاهزة لفهم الأمور الإلهية والإنسانية، وأداء كل فعل، مهما كان ضئيلا، بوعي بالرابطة التي تربط الإلهي بالإنساني؛ فلن يتسنى لك أن تجيد أي عمل يتعلق بالإنسان دون أن يكون لديك أيضا مرجعية إلى الأمور الإلهية، والعكس بالعكس» (3-13). إن الحكمة تطبيق وممارسة واعتياد بقدر ما هي تنظير وتحصيل وتأمل، وإن النفس ل «تصطبغ بالأفكار» حتى تصبح فيها سليقة وخليقة وماهية. (15) فعل الخير ثواب ذاته
كذلك الخير حين يصبح في الإنسان طبيعة وسجية فإنه يأتيه عفوا من غير تكلف ولا جهد. إنه لينضح بالخير مثلما ينضح الإناء بما فيه، أو مثلما يؤدي الكائن وظيفته الطبيعة لا يفتعلها ولا يكاد يعيها. «من الناس من إذا أسدى جميلا إلى شخص سارع بتسجيله في حسابه كدين مستحق. ومنهم من لا يسارع بذلك غير أنه يضمر في نفسه أن هذا الشخص مدين له، ويعي جيدا بما فعله. وهناك صنف ثالث هو بمعنى ما لا يعي ما أتاه ولا يحشد له ذهنه، وإنما هو كالكرمة التي أهدت عناقيدها ولا ترتقب أي مقابل. الفرس وقد أتم السباق، والكلب وقد طارد، والنحلة وقد أفرغت عسلها، والإنسان الذي أسدى معروفا؛ لا يلحظ أي من هؤلاء ما صنع ولا يلتمس عليه شهودا، بل يمضي إلى فعل جديد كما تمضي الكرمة لتقدم عناقيد جديدة في الموسم الجديد. فلتكن واحدا من هؤلاء الذين يجترحون الخيرات دون أن يلاحظوها» (5-6).
अज्ञात पृष्ठ