وقد لاحظ الباحث ذلك ووجد أن البناء المضموني لسورة القصص يسير في اتجاه واحد، مثل قافلة من المعاني المتدفقة المتلاحقة، مما أكسب النص الإلهي إعجازًا إلى إعجازه، لأن هذه الصفات ليست من صفات البشر في كلامهم يعتريه النقص والاختلاف في مصادر موارده.
وأنى للبشر أن يكون له كلام متكامل مثل ما نجده في الربط الوحدوي واللغوي في قوله تعالى في سورة القصص: ﴿إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ «١»، وقوله تعالى فيها أيضًا: ﴿وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ﴾ «٢»، وقوله تعالى: ﴿وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةَِ﴾ «٣»، فالآيات الثلاث على رغم اختلاف موضوعها في داخل السورة، يكمّل بعضها بعضًا، ويأخذ أحدها بمعنى الآخر في وحدة موضوعية شمولية ذات دلالة كلية كونها جميعًا آيات توحيد خالص.
المطلب الرابع: التوجيه البياني التفسيري في سُوْرَة الْقَصَصِ
إذا كان التحليل قد كشف عن سياق بناء النص، وإذا كان فهم الدلالة الإعرابية قد أوضح مفهوم النص، فإن التوجيه البياني يفيد في إيضاح ما أسماه أسلافنا «٤» البيان التفسيري الذي يسمى أحيانًا (البيان المبين)، والمقصود به: " ما يستخرج من فهم بلاغة النص من المعاني الأخر " «٥»، لاجل ذلك أقتبسنا في هذا المبحث هذا المصطلح لفهم أدق لمجموعة الظواهر البلاغية الموجودة في سورة القصص، ولاستخراج ما فيها من كوامن المعاني.
(١) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية ٣٠.
(٢) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية ٨٨.
(٣) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية ٧٠.
(٤) رسالة في البلاغة. ابن كمال باشا. تحقيق: نور الدين حسن. الطبعة الأولى. منشورات كلية الآداب. جامعة القاهرة. ١٩٩١ م: ص٤٧.
(٥) رسالة في البلاغة: ص ٤٨.
1 / 100