وانكمشت تحت الغطاء كما كنت أفعل في بيت الأطفال. رأيته واقفا أمامي عاريا كما ولدته أمه، وقلت: من أنت؟ قال: أنا الإمام، ألا تعرفين وجهي؟ قلت: لا أعرفك. قال: ألم تري وجهي من قبل؟ قلت: لا أعرفك. قال: ألا تقرئين الصحف؟ ألا ترين الشاشة؟ ألا تنظرين إلى الصورة فوق أقواس النصر؟ ألا تشترين طابع البريد أو ورقة دمغة؟ قلت: ما هي الدمغة؟ قال: ألا تعرفين الدمغة؟ قلت: أول مرة أسمع هذا الاسم. قال: أنت لا تعيشين في هذه الدنيا، ولست واحدة منا. وإذا لم تعرفي الإمام فأنت لا تعرفين الوطن، وإذا لم تعرفي الوطن فأنت لا تعرفين الله. وقال: ألم تسمعي الهتاف «الله الوطن الإمام»؟ قلت: لم أسمعه. وضرب كفا بكف، وتعجب غاية العجب، وقال: أنت في حزب الله أم في حزب الشيطان؟ قلت: لا هذا ولا ذاك. قال: هذا عجيب، هل قرأت كتاب التراث؟ قلت: أنا لا أقرأ. قال: إذا كنت لا تقرئين أفلا تسمعين؟ ألم تسمعي عن حكايات ألف ليلة وليلة والملك شهريار؟ قلت: من هو شهريار؟ قال: ألا تعرفين الملك شهريار الذي خانته زوجته البيضاء كالشهد مع عبد أسود؟ قلت: لا أعرفه. قال: أتعرفين لماذا تفضل الزوجة البيضاء عبدا أسود على زوجها الملك الأبيض؟ قلت: لأنها تحبه أكثر من زوجها. وضرب كفا بكف، وتعجب غاية العجب، وقال: هل يمكن للمرأة أن تحب رجلا أكثر من زوجها؟ قلت: نعم. قال: حتى ولو كان زوجها الملك أو الإمام؟ قلت: نعم. قال: وماذا يكون عند هذا العشيق ولا يكون عند الإمام؟ قلت: الحب. قال مقهقها بصوت كجلاجل طبول العيد، فاردا ذراعيه يحتضن الكون: عندي من الحب ما يكفي جميع الناس، وقلبي يتسع للجميع. قلت: إذا اتسع قلبك للجميع فلا أحد فيه.
كان راقدا على وسادة مزركشة من ريش النعام، مستندا بكوعه الأيمن على الأرض فوق سجادة من العجم عليها صور الكعبة، وفي يده اليسرى كأس الخمر، وكوعه يصنع في الكعبة حفرة عميقة. اهتز الكأس في يده قليلا، وانسكب قليل من الخمر في الحفرة داخل الكعبة, اعتدل قليلا بجسده العاري يغطيه الشعر، وثبت عينيه فوق جسدي العاري الخالي من الشعر، وقال: لماذا لا تركعين بين قدمي؟ قلت: لم أركع في حياتي لأحد. قال: لست أي أحد، وجميع النساء تركع. قلت: ألست أي واحدة. قال: وماذا تكونين أنت؟ قلت: امرأة بلا اسم ولا أب ولا أم، ولا أكتب ولا أقرأ، ولكني لا أحبك، وفي قلبي حب آخر.
وهنا اهتز الكأس في يده، وانسكب الخمر كله مغرقا الحرم والكعبة وقبر الرسول، وانتصب واقفا عاريا والشعر فوق جسده منتصبا، وعظامه أيضا انتصبت حتى النخاع. هاجت شهوته، وعقله ذهب، فلا شيء يلهبه ويأخذ عقله قدر امرأة غير مملوكة له، ولا يطفئ النار إلا أن يمتلكها بين يديه ورجليه، ولا يستبقي منها شيئا حتى اللحم فوق العظم. •••
جان جالسا أمامها يمصمص عظامها، ويكسر العظمة كعود القصب فوق ركبته، يمص النخاع وهي أمامه ترقبه كما ترقب خروف العيد. يدخل دكان الجزار وعيناه غائرتان في الوجه حتى العظام، ولا شيء يملؤهما إلا الخوف، لا يشبع مهما أكل، ومهما أمن لا يأمن. وهي تناول العظمة وراء العظمة، ولوحة الكتف والإلية والطحال، امتلأت معدته حتى الحافة، وانتفخت كقربة من جلد الماعز، وهي تناوله لا تكف، حتى سمعت صوت الانفجار، ورأت وجهه يسقط إلى الأرض، وعيناه تتسعان بالدهشة، لا يكاد يصدق، وقالت: أوله لعب، وآخره عطب. وانطلقت كالغزال تركض ومن خلفها كلبها.
الإفاقة بعد النشوية
في ظلمة الليل امتدت يدي اليمنى إليها، فأمسكت يدي بأسنانها كأسنان القطة. ناديتها قطتي الصغيرة باسم زوجتي القديمة كاتي. هربت مع الحب القديم وراء البحار، وتركتني وحدي في العالم الآخر. قالت: لست قطتك الصغيرة. قال: إذا لم تكوني قطتي فأنت من فصيلة النمور. وضغطت بأسنانها على يدي حتى قطعت اليد عن الذراع. لم يخل القطع رغم القسوة من لذة. ومددت لها يدي الثانية، أمسكتها بأسنانها وقطعتها. قلت: ليس الأمر بهزل. مددت لها ساقي اليمنى فأمسكتها، وفعلت بها ما فعلته باليد اليمنى واليسرى، وفتحت عيني وأنا راقد وجهي ناحية الأرض، ورأيتها واقفة أمامي. عرفتها على الفور. الوجه الشاحب النحيل، والعينان السوداوان تتسعان لجرائم العالم، وقلت: أنت بنت الله، أتتنكرين بوجه آخر وجسد آخر؟ ولم تفتح شفتيها، وظلت واقعة أمامي صامتة. قلت لنفسي إذا ظلت صامتة فهي تفكر أكثر مما تضي به الشريعة؛ فالمرأة خلقت من ضلع أعوج ناقصة العقل والدين. وحاولت الاقتراب منها أتأكد من ملامحها، واكتشفت أن لي ساقا واحدة، وأنني لا أسير فوق الأرض، وبدأت أزحف فوق بطني وهي واقفة لا شيء فيها يتحرك. قلت لنفسي إنها ساحرة رشتني بكوز الماء وأنا نائم، وأصبحت خروفا أو سحلية. لم يكن لها وجه الساحرات، وفي عينيها بريق أسود كعيون الشياطين وأرواح الجان. قرأت آية الكرسي لأطردها لكنها لم تذهب، واقفة في مكانها كالصخرة، شفتاها مطبقتان في صمت داخل الصمت، ويدوي الصمت في أذني كزلزال الموت، وأمد يدي نحوها لتمسكني فتختفي ذراعي، وأمد لها ساقي فيختفي الساق ومعه الجسد ومعه شهوات الدنيا، وأقول: امسكي يدي يا ابنتي وقد شبعت من الدنيا حتى الزهد، ولا أريد منك شيئا إلا الاعتراف أنني أبوك. •••
اتسعت عيناي بالدهشة، وقلت: ولدتني أمي بغير أب. قال: لا يولد ولد أو بنت بغير أب، وأنا أبوك الإمام. قلت: أنا لا أعرفك، ولم أر وجهك إلا الآن، وأبي هو الله، وأنا بنت الله. قال: اخرسي، قطع لسانك، سبحانه لم يلد ولم يولد. صوته كالنائم لا يطلع، ويلوح في الهواء بذراعين غير مرئيتين وصوت غير مسموع. يقول: شبعت من شهوات الدنيا ولم تبق إلا شهوة واحدة، وهي أن أفتح رأس هذه المرأة وأسحق عقلها لتصبح امرأة مثل كل النساء المثاليات؛ جسد غير مرئي لا يحتوي إلا الرحم. وكان لا يزال يرى صورته الأولى في المرآة، قبل أن تسحره خروفا للعيد، وصوته لا زال يدوي في أذنيه وهو يلقي الخطبة، وصواريخ العيد تفرقع، ومن حوله الرجال والأعوان، وحزب الله يرقص، وحزب الشيطان يهتف. ويحرك رأسه من السماء إلى الأرض محولا عينيه عن السماء؛ فالله معه، والشيطان معه، وهو لم يعد يخشى من معه. وتمر عيناه دون توقف على وجوههم جميعا، وكل منهم يدفع الآخر بكوعه إلى الوراء ويحتل مكانه في الصف الأمامي. يحرك رأسه بعيدا عنهم، وعيناه تبحثان عن الوجه الشاحب، والعينان بلون سواد الليل. من يكون؟ من تكون؟ رجل أو امرأة؟ إنس أو جن؟ وأغمض عينيه لينام مرة أخرى، وأدرك أنه كان نائما من قبل، وأن نومه عميق أعمق من نوم السحالف، ولا شيء يوقظه، لا دوي الرصاص ولا الصواريخ.
الكاتب الكبير
في الصف الأول وأنا واقف تحت الضوء إلى جوار الإمام، والهتاف يدوي في أذني، وصواريخ العيد تفرقع، لم يكن يفصلني عن مقعد العرش إلا جسد رئيس الأمن عن يميني، وجسد المعارض الشرعي عن يساري، وأنا واقف بينهما كنقطة الوسط بين حبلين مشدودين. إذا ارتخى اليمين ملت برأسي إلى اليسار، وإذا اشتد اليسار أرخيت عنقي وملت بجسدي إلى اليمين. وأنا واقف مرفوع الظهر أرتدي بدلة العيد بلون البن المحروق من الصوف المستورد، دليل ولائي لليمين، وربطة عنق حمراء دليل تعاطفي مع اليسار، وفي يدي القلم أمسكه كالعصا من المنتصف، وأثبت قدمي في مركز فوق الأرض بين حزب الله وحزب الشيطان، وأظل واقفا في نقطة التعادل فوق قدم واحدة، أثبتها لا أحركها، ومهما اهتزت الأرض لا أحركها؛ فالرجل منا إذا وضع قدمه في الصف الأول لا يتركه، وإن سقطت السماء على الأرض أو سقط وجه الإمام من فوق رأسه إلى تحت المقعد؛ فالأقدام كثيرة، والمكان ضيق، وما إن يحرك الواحد منا قدمه حتى تحتل مكانه قدم أخرى، وكل قدم تدفع القدم أمامها في كعبها، وكل كوع ينغرس في البطن خلفه كالمسمار، وأنا واقف في مكاني لا أتحرك، ورأسي متوازن مع جسدي، وجسدي في وضع عمودي مع الأرض، ووجهي ناحية الإمام، والإمام وجهه الناحية الأخرى. لا ينظر إلي، وأنا أنظر إليه. وكان الوضع معكوسا في المدرسة وهو جالس إلى جواري في الفصل، ينظر إلي وأنا أنظر إلى الناحية الأخرى، وكان ترتيبي الأول وهو من خلفي، وإذا مشيت يسير ورائي. سبحانك مغير الأحوال. جعلته يسير أمامي، واللهم لا اعتراض على البلاء، ولا يحمد على مكروه سواك، وإن كنت أومن يا رب أنك لا تخلق إلا الخير، والشيطان يخلق الشر. أستغفرك يا رب. فالشيطان ليس خالقا، والخالق هو أنت لا شريك لك، لكن لماذا يا رب تضع سرك في أضعف خلقك، وتعطي الحكم لمن لا يفكر، وتعطي الفكر لمن لا يحكم؟ وهذا هو البلاء، والبلاء شر. إذا جاء من عند الله فهو امتحان، وعلينا القبول والطاعة. وتذكر كلام الله
ونبلوكم بالشر والخير فتنة . وإذا جاء الشر من عند الشيطان وجبت المقاومة والعصيان، لكن كيف نعرف من أين يأتينا البلاء، من عند الله أم من عند الشيطان؟ اللهم لا اعتراض، ولا أحد سواك يجعل البلاء خيرا، والخير بلاء. سبحانك مغير الأحوال. وكنت أنا بالأمس قوي الجسد ضعيف الروح، وأصبحت بعد النضوج ضعيف الجسد وروحي صعدت إلى السماء. ولم تعد زوجتي الشرعية الأخيرة تقرأ ما أكتب. ترفض قانون الطاعة والشريعة وتجادلني في المقدسات. تضع رأسها برأسي وعقلها بعقلي. وهذه بدعة لم أعرفها مع زوجاتي القديمات الشرعيات وغير الشرعيات المستديمات منهن والمؤقتات. لم يكن صوت الواحدة منهن يعلو على صوتي، وإذا ضحكت تضع يدها على فمها وتستغفر الله، وإذا ضربتها حسب الشريعة للتأديب لا تعرف الشكوى، وإذا تسللت من فراشها إلى عشيقتي تتظاهر بالنوم، وإذا كانت نائمة أصلا غابت في نوم أعمق، لكن هذه الزوجة الأخيرة تفتح عينها وهي نائمة، وسواد عينيها أسود بلون وجه الشيطان، وتضحك بصوت عال أعلى من صوتي، وتلقي برأسها إلى الوراء بحركة لم أصل إليها بعد، وتقهقه بكل رئتيها طاردة الهواء من صدرها وبطنها، ويرن صوتها في أذني أكثر انطلاقا من صوتي حين أقهقه، وأدرك أن في أعماقي هواء مكبوتا منذ الطفولة أحاول أن أطرده دون جدوى، وصوتها وهي تضحك وتقهقه يثير في الغيرة أكثر مما يثير الشهوة، وأتركها فوق السرير عارية وأجري إلى عشيقتي. تحاول أن توقظ ذكورتي دون جدوى بالخضوع والاستماتة وهي تحتي، وتقول لي إنها الشيخوخة وقوة الروح، أو موات الجسد ويقظة العقل. وأعارضها وأقول بل هو غياب الدين والأخلاق وخلع النساء برقع الحياء. وتطلق بأنفها صوتا كحشرجة الشخير أول النوم، وتستدير فيصبح ظهرها ناحيتي ووجهها ناحية السماء. أرتدي سروالي وأعود إلى زوجتي فلا أجدها في الفراش، وأرقد وحدي أحملق في السقف، وأرى وجه أبي معلقا داخل البرواز فوق الجدار. وجه مستدير مليء باللحم مشرب بالدم والحياة كوجهي، وأنفه مستقيم عاقل يشبه أنفي، يؤكد دون شك أبوته لي وإخلاص أمي له. رأسه متزن مع جسمه في وضع عمودي كرأسي دون انحراف إلى اليسار أو اليمين. خير الأمور الوسط يا ابني. لكنه لم يعرف الوسط مع أمي، يضربها بالنهار وفي الليل تضربه. أسمعها تئن طول اليوم، وفي ظلمة الليل أسمعه يئن، ويقول: يا ابني، الرجل منا مع المرأة ضارب أو مضروب، عابد أو معبود، ولا وسط بينهما. وتقول أمي: يا ابني، المرأة منا مع الرجل إما زوجة محترمة غير مرغوبة، أو عشيقة مرغوبة غير محترمة، ولا وسط بينهما. وتطفو فوق وجهها سحابة رمادية بلون الشبورة، وتنام ووجهها للحائط، وأبي ينام ووجهه ينام ناحية الله في السقف، وأنا بينهما فوق السرير العريض أتكور حول نفسي كالجنين، وأسمع صوت أبي يقرأ كتاب الله قبل أن ينام، ويردد آية الكرسي ثلاث مرات يطرد الشياطين وأرواح الجان. وإذا غلبه النوم مد يده تحت الوسادة ووضع كتاب الله إلى جوار المسدس، هدية من العيد من أبيه وهو طفل، يتحسسه بأطراف أصابعه وهو نائم إذا سمع نباح الكلب. وإذا تحركت غدة الشيطان تحت سرواله وهو نائم مد إليه يده اليمنى، ويده اليسرى تمتد إلى أمي من تحت الملابس، وتلمح أمي طرف المسدس من تحت الوسادة فتخلع ملابسها وهي تستغفر الله، وتستعيذ بالله من الشيطان والإثم، وتتوضأ خمس مرات بالماء والصابون، وتصلي لله سبع ركعات قبل أن تنام، وتلف رأسها بالحجاب وتغمض عينها وتروح في النوم كالملائكة الأطهار. وأغيب أنا في نوم عميق كالأطفال، لا أسمع ولا أرى إلا الأشباح وأرواح الجان، ويغمرني الخوف من كل جانب كالهواء البارد، وأثبت جسدي في منتصف السرير لا أتحرك إلى اليمين أو إلى اليسار، وأبتعد عن جسد أبي وجسد أمي، أخافهما، هما الاثنان، ومع الخوف تتسرب الكراهية إلى جسدي تحت الغطاء في الهواء. ومهما عانقتني أمي أبتعد، ومهما أحبني أبي لا أحبه. وكان أبي شيخ طريقة يكتب للنساء الأحجبة في الغرفة المظلمة. مهنة فرضها عليه أبوه ليحقق في عالم الدين ما لم يحققه في مزرعة الأرانب والفراخ. يعلق في رقاب النسوة كلام الله داخل حجاب تتدلى منه خرزة زرقاء. يدخل إلينا باللحم والخضار، وفي جيوبه القروش تفوح بعرق النساء. وأغلق الباب على نفسي أذاكر دروسي، ويوم الامتحان أتذكر الصلاة، أسجد لله ثلاث ركعات وأطلب منه النجاح، يسمع الله دعائي وأنجح العام وراء العام. •••
अज्ञात पृष्ठ