من الأقوال الشائعة: إن العظماء ليست لهم حياة خاصة.
وإذا كان هذا القول محل الخلاف فيما يتعلق بمعيشتهم وهم بقيد الحياة فلا محل للخلاف عليه فيما يتعلق بتواريخهم وتراجم حياتهم بعد الممات؛ لأن فهم الحوادث وتقدير الأعمال وتعليل العلاقات قد يتوقف على أخبار البيت والأسرة، وقد يكون ما يساعد العظيم في حياته العامة أو يكون منها ما يعوقه أو ما يصبغ علاقاته الخارجية بصبغة خاصة، فلا يتساوى في نظر المؤرخ عند ترجمة العظماء أن تكون لهم حياة بيتية أو لا تكون لهم زوجات وأبناء وأصهار وأقرباء.
ويصدق هذا القول على سن ياتسن كما يصدق على سائر العظماء، أو لعله أصدق عليه من كثيرين غيره؛ لأنه أخذ على عاتقه تجديد الصين. وجاء زواجه فنقل رسالة تجديد الصين إلى بيته وجعله من مسائله وهمومه؛ إذ كانت زوجته الأولى نموذج المرأة الصينية على التربية القديمة، وكانت زوجته الثانية نموذج المرأة الصينية على التربية العصرية، فليس أحدث من تربيتها في أوروبة أو أمريكا بله الصين وما شابهها من الأقطار الآسيوية.
زوجه أهله من قرينته الأولى (لو-زو) وهو يناهز العشرين، وكان غرضهم من هذا الزواج أن يغريه بالاستقرار ويربطه بالتبعات البيتية فلا يعرض حياته للمخاطر ثائرا على العرف وذوي السلطان، فكان زواجا مناقضا لوجهته كلها في الحياة، وإن كانت هذه الزوجة مثال ربة البيت بشهادة المترجمين للزعيم والعارفين بأسرته أجمعين.
واضطر سن ياتسن على كل حال أن يتنقل بين البلاد ويطيل الغيبة سنوات، ولا يغشى الأماكن التي تعرف له علاقة بها؛ لأنه كان طريد السلطان بعد زواجه فلم تتوثق بينه وبين هذه الزوجة أواصر الألفة والتفاهم على رسالته الكبرى التي تصغر عنده إلى جانبها كل رسالة.
من هذه الزوجة رزق ثلاثة أولاد أحدهم سن فو الذي اشتهر في سياسة الصين بزعامة الحزب اليساري المنادي بالوحدة القومية والمعارض للحرب الأهلية، والذي يجعل محاربة اليابان غرض السياسة الصينية، ويتقبل الائتلاف مع كل قوة تعادي اليابان وتتألب على إحباط سياستها الآسيوية، ومن الطريف أن امرأة أبيه الثانية وأخاها من أنصار هذه الهيئة، وإن كانت امرأة أبيه تناصرها بالتشجيع ولا تنتظم في عداد أعضائها؛ لأنها تجتنب العمل السياسي ولا تستريح إلى انقسام الأحزاب.
ولد «سن فو» سنة 1891 وأتم تعليمه الابتدائي بهواي - كأبيه - ثم تخرج من جامعة كولمبيا بالولايات المتحدة، وعاد إلى الصين وهو في السادسة والعشرين (سنة 1917) وعمل كاتبا لأبيه ثم محافظا لكانتون فمديرا للسكك الحديدية فرئيسا للجمعية التشريعية، وعارض شيان كاي شيك معارضة شديدة بعد وفاة أبيه، وسافر إلى موسكو غير مرة يحاول التوفيق بين روسيا والصين، وسبق ذلك بمحاولة التوفيق بين الشمال والجنوب وبين حزب الكومنتانج؛ أي: الحزب الصيني الوطني والحزب الشيوعي، فعرض حياته للخطر من ناحية أنصار اليمين ومن ناحية اليابان في وقت واحد، ودبر الجواسيس اليابانيون تدبيرهم لقتله في إحدى الطائرات، فأسقطوها ولكنه كان قد تخلف عن ركوبها، فنجا من المكيدة اليابانية وأوشك أن يقع في مكيدة وطنية، فحالفه التوفيق ونجا منها.
ويقول الذين عرفوه: إنه نسخة من أبيه لولا أنه طموح لا يزهد في المنصب والمال زهد أبيه.
ومن التجوز أن يقال: إنه يؤثر في سياسة أبيه بالإيحاء والإقناع، وإنما الصحيح الذي لا شك فيه أن الزعيم كان يتخذه مثالا لأنداده من أبناء جيله، وكانت خطته في قيادة هذا الجيل مستمدة من مراقبته لعواطف ابنه وآرائه، فما كان طبيعيا من عواطف ابنه وآرائه حسبه طبيعيا من أنداده وزملائه وشمله بحنانه ورعايته كأنهم كلهم من أبنائه.
أما والدة سن فو فلم تشتغل بالسياسة قط، وقضت معظم أيامها بعيدة من الصين تارة في هواي وتارة في المستعمرة البرتغالية مكاو، وتنصرت كما تنصر زوجها وشغلت أوقاتها بتوزيع الكتب الدينية على سيدات البيوت.
अज्ञात पृष्ठ