والاختلاف في أساليب الزراعة قد يكون اختلافا بين الآلات والأصناف، ويتساوى الفلاحون شرقا وغربا فيما يرجع من تلك الأساليب إلى العقائد والتقاليد.
وليس بدعا في الآداب أن تختلف آداب الأمم على تقاربها في الموقع والزمن وأصول اللغة.
أما الطب فالاختلاف بين حديثه وقديمه يشمل كل اختلاف بين العلم الصحيح وبين السحر والشعوذة.
ومن كان يؤمن بمزية الطب الحديث فقد تقدم شوطا بعيدا في التحرر من القديم والاستعداد للتصرف والتجديد.
وربما أضيفت إلى هذه الدلالة دلالة أخرى ذات شأن في التعريف بصاحب الترجمة، وهي حب الإصلاح والتجرد للخدمة العامة؛ لأن المصلحين الشرقيين قد شاع بينهم بعد منتصف القرن التاسع عشر أن رسالة الإصلاح القومي إن هي إلا رسالة طبية صحية قبل كل شيء؛ إذ كان وباء الهيضة (الكوليرا) يفشو بين الهند والصين واليابان من حقبة إلى حقبة، فلا تنقضي عشر سنوات متواليات دون أن تنكب به أمة من هذه الأمم، ثم يمعن فيها إصابة وفتكا ويذهب كما جاء مجهول الأسباب في الجيئة والذهاب.
وقد دخل سن ياتسن مدرسة الطب وهو يؤلف الجماعات لتجديد الصين وإصلاحها، ويجعل مهمته الكبرى تجديد الصين لا مجرد الاشتغال بالسياسة والحملة على الحكومة.
ولعله لم يتعمد أن يتعلم الطب ليستفيد منه التفكير على الأسس العلمية ... ولكنه - تعمد ذلك أو لم يتعمده - قد استفاد هذا التفكير فعلا وظهرت آثار النظرة العلمية في جميع مباحثه ودراساته، فقد يصيب فيها أو يخطئ، ولكنه لا يزن الأمور بغير الميزان السليم من الوجهة العلمية.
وقد اشتغل بالطب فترة قصيرة بعد تخرجه من المدرسة، ولكنه لم يستطع أن يجمع بين التخصص للطب وبين التنقل لنشر الدعوة وتأليف اللجان وجمع المال واجتناب المطاردين والمقبلين، وشغلته السياسة بدروسها ومطالعاتها كما شغلته بمساعيها وتنظيماتها، فلم يكن ينتقل من بلد إلى بلد إلا بصحبة كتاب أو عدة كتب من مراجع الدساتير وأنظمة الحكم وأخبار الثورات في الأمم المختلفة، حتى وعى من هذه المعلومات ما تضيق به صدور المتخصصين والمتفرغين.
ويدهشنا حقا أن يقال: إن الرجل من الحالمين الخياليين، فإن الحالم الضارب في تيه الخيال تأخذه الدعوة النظرية فلا يميز فيها بين فكرة وفكرة على حسب الواقع في تطبيقاتها وفي مواطنها المتعددة. وهذا هو العيب الذهني الذي لا تتبينه من دراسات الرجل وتعليقاته، فلا تشابه عنده بين نظام واحد في بلدين، ولا بين الكلمة الواحدة في موضعين، ولم يكن ينعى على ببغاوات السياسة في بلده أمرا كهذه الخلة المعيبة، فكانت نصيحته التي لا يمل تكرارها أن الاستقلال في الولايات المتحدة غير الاستقلال في الصين، وأن مبادئ الثورة الفرنسية معقولة في زمانها وبين قومها، ولكنها غير معقولة في زمان آخر ولا بين أقوام آخرين، وأن كارل ماركس لا يمل كل مشكلة ولا يعالج كل مرض، بل استخدم صناعته في التعبير المجازي فقال عنه: إنه طبيب توصيف وليس بطبيب علاج، وإن توصيفه على هذا لا يوافق كل بنية ولا يستغني عن التعقيب والتصحيح.
كان يقول: إن «الحرية والمساواة والإخاء» شعار له معناه عند الثوار الفرنسيين، ولكنه لغو بغير معنى حين يجري على ألسنة ثوار الصين.
अज्ञात पृष्ठ