ولا بد أن قدرته على التأثير والإقناع كانت تفوق المشهور حتى عن زملائه من أصحاب السلطان على أتباعهم ومريديهم، فلم يكن تأثيره وإقناعه مقصورين على الجموع الذين يتأثرون أحيانا بتنبيه غرائز الجماهير فيهم، بل بلغ من سلطانه على الآحاد ما يشبه التنويم والسحر المزعوم، واتفق غير مرة أنه استخفى من مطارديه وأن الحكومة جعلت على رأسه مكافأة مغرية لمن يأتي به حيا أو ميتا أو يدل عليه، وعرفه بعضهم أثناء استخفائه فاستطاع بحسن بيانه وقوة سلطانه أن يثنيهم عن تسليمه ويحولهم إلى تأييده والاجتهاد في إخفائه.
وكثيرا ما تسرب اليأس إلى خاصة أعوانه من الذين يعتمد عليهم في إحياء الآمال وانبعاث العزائم، وكان لهم العذر من يأسهم لتوالي الهزائم عليهم، وكثرة الضحايا من إخوانهم، وقلة المال في أيديهم، وتقاعد العامة والخاصة عن معونتهم أو ارتدادهم عليهم طمعا في مثوبة الحكومة وخوفا من عقابها ونشاط جواسيسها، فما هو إلا أن يسمع بطائفة من هؤلاء غلبهم اليأس وخانتهم العزيمة حتى يلقاهم ساعة أو بعض ساعة، فيخرجون من عنده إلى المخاطر التي ندبهم لها وقد نسوا ما كانوا يعتلون به قبل ذلك من علل اليأس والانصراف عن الحركة، ومنها ما هو حاضر أمام أعينهم لا تسهل المماراة فيه بأخاديع النفوس.
وأسعفته هذه الملكة الخارقة حين استدرجه عمال الأسرة المالكة في سفارة الصين بلندن، فأوقعوه في كمين نصبوه له باسم الوطنية وجلب الأعوان إلى الحركة، فلولا إقناعه لأحد الحراس بإبلاغ رسالة منه إلى أصدقائه لحملته السفارة إلى بكين حيث ينتظره العذاب والتنكيل.
هذه الملكة الخارقة قد اتفق عليها مؤرخوه وناقدوه، وإنما اختلفوا في ملكته الإدارية وذهبوا في اختلافهم إلى الطرفين المتقابلين: فريق يرفعه فيها إلى ذروتها ويحسبها من مزاياه التي يخصها بالتنويه، وفريق يجرده منها كل التجريد.
ولعل شهادة لينين هنا من الشهادات التي لا تهمل؛ لأنه خبير بالرجال، وليس من دأبه السخاء بالثناء على أي إنسان.
قال: «إن سن ياتسن تعم أفكاره روح ديمقراطية مناضلة ولا يبدو عليه أثر من العي السياسي وقلة الاكتراث للحرية ولا هو يقبل القول بأن الحكم المطلق كفؤ لإنجاز مطالب الإصلاح الاجتماعي في الصين ...»
ولا نظن أن النقاد الذين أنكروا عليه القدرة الإدارية سألوا أنفسهم عن المهمة التي فرضوا عليه النجاح فيها، أو عن الرجل الذي كان خليقا أن ينجح حيث أخفق، وأن يعمل شيئا أكبر من عمله وأبقى.
فقد كان المطلوب خلق إدارة جديدة على أنقاض الإدارة البالية، وكان عليه أن يعمل بالأيدي القديمة قبل تدريب من يخلفها، وأن يحسب حساب الخيانة والإحباط المتعمد، كما كان عليه أن يحسب حساب الجهل والمخالفة بين أقرب المقربين إليه، وقد اعترضته الحرب العالمية بعد قيام الجمهورية بنحو ثلاث سنوات، وسبقتها دسائس اليابان ومناوشاتها، وهي عوارض خليقة أن توقع الخلل والاضطراب في إدارة الحكومات التي طال عليها العهد بالاستقرار والطمأنينة، فكيف بالإدارة الحكومية بين قديم عاجز متهم، وجديد عاجز لا يطمأن إليه وإن سلم من الاتهام؟
إن العمل بعد إعلان الجمهورية كان أعسر جدا وأثقل جدا من العمل قبل إعلانها، وكلاهما عمل جبارين لا يقوى عليه غير أولي العزم والقوة.
وكفى دليلا على شيء منه، ولا نقول عليه كله، أن سن ياتسن كان يلام على الهوادة مع الشيوعية وعلى التشدد معها في وقت واحد.
अज्ञात पृष्ठ